( إنه هو يبدئ ويعيد ) . . والبدء والإعادة وإن اتجه معناهما الكلي إلى النشأة الأولى والنشأة الآخرة . . إلا أنهما حدثان دائبان في كل لحظة من ليل أو نهار . ففي كل لحظة بدء وإنشاء ، وفي كل لحظة إعادة لما بلي ومات . والكون كله في تجدد مستمر . . وفي بلى مستمر . . وفي ظل هذه الحركة الدائبة الشاملة من البدء والإعادة يبدو حادث الأخدود ونتائجه الظاهرة مسألة عابرة في واقع الأمر وحقيقة التقدير . فهو بدء لإعادة . أو إعادة لبدء . في هذه الحركة الدائبة الدائرة . .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعّالٌ لّمَا يُرِيدُ * هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } .
اختلف أهل التأويل في معنى قوله : إنّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ فقال بعضهم : معنى ذلك : إن الله أبدى خلقه ، فهو يبتدىء ، بمعنى : يحدث خلقه ابتداء ، ثم يميتهم ، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم ، كهيئتهم . قبل مماتهم . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يُبْدِىءُ ويُعِيدُ يعني : الخلق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ قال : يُبدىء الخلق حين خلقه ، ويعيده يوم القيامة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه هو يبدىء العذاب ويعيده . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس إنّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ قال : يبدىء العذاب ويعيده .
وأوليَ التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، وأشبههما بظاهر ما دلّ عليه التنزيل ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، وهو أنه يُبدىء العذاب لأهل الكفر به ويعيد ، كما قال جلّ ثناؤه : فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ في الدنيا ، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا ، وهو يعيده لهم في الاَخرة .
وإنما قلت : هذا أولى التأويلين بالصواب ، لأن الله أتبع ذلك قوله إنّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ فكان للبيان عن معنى شدّة بطشه الذي قد ذكره قبله ، أشبه به بالبيان عما لم يجر له ذكر ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحا وصحة ، قوله : وَهُوَ الْغَفُورُ الوَدُودُ فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدّة عقابه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.