{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي : خالقهما ، ومربيهما ، ومدبرها بجميع أنواع التدابير . { الْعَزِيزُ } الذي له القوة ، التي بها خلق المخلوقات العظيمة . { الْغَفَّارُ } لجميع الذنوب ، صغيرها ، وكبيرها ، لمن تاب إليه وأقلع منها .
فهذا الذي يحب ويستحق أن يعبد ، دون من لا يخلق ولا يرزق ، ولا يضر ولا ينفع ، ولا يملك من الأمر شيئا ، وليس له قوة الاقتدار ، ولا بيده مغفرة الذنوب والأوزار .
( ربّ السموات والأرض ) يقول : مالك السموات والأرض وما بينهما من الخلق يقول : فهذا الذي هذه صفته ، هو الإله الذي لا إله سواه ، لا الذي لا يملك شيئا ، ولا يضرّ ، ولا ينفع . وقوله : العَزِيرُ الغَفّارُ يقول : العزيز في نقمته من أهل الكفر به ، المدّعين معه إلها غيره ، الغفّار لذنوب من تاب منهم ومن غيرهم من كفره ومعاصيه ، فأناب إلى الإيمان به ، والطاعة له بالانتهاء إلى أمره ونهيه .
{ رَبُّ السمواتِ والأرضِ وما بينهما } تصريح بعموم ربوبيته وأنه لا شريك له في شيء منها . ووصف { العزيزُ } تمهيد للوصف ب { الغَفَّارُ } ، أي الغفّار عن عزّة ومقدرة لا عن عجز وملق أو مراعاة جانب مساو . والمقصود من وصف { الغفَّارُ } هنا استدعاء المشركين إلى التوحيد بعد تهديدهم بمفاد وصف { القهَّارُ } لكي لا ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد جرياً على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب والعكس .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
عظم نفسه عن شركهم، فقال سبحانه: {رب السماوات والأرض وما بينهما} فإن من يعبد فيهما فأنا ربهما ورب من فيهما.
{العزيز} في ملكه {الغفار} لمن تاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"ربّ السموات والأرض" يقول: مالك السموات والأرض وما بينهما من الخلق يقول: فهذا الذي هذه صفته، هو الإله الذي لا إله سواه، لا الذي لا يملك شيئا، ولا يضرّ، ولا ينفع.
وقوله: "العَزِيرُ الغَفّارُ" يقول: العزيز في نقمته من أهل الكفر به، المدّعين معه إلها غيره، الغفّار لذنوب من تاب منهم ومن غيرهم من كفره ومعاصيه، فأناب إلى الإيمان به، والطاعة له بالانتهاء إلى أمره ونهيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يعلمون أنه رب السماوات والأرض ومنشئهما ومنشئ ما بينهما، فلا يحتمل أن ما يأمركم به، وينهاكم عنه لحاجة نفسه أو لمنفعة له، ولكن إنما يأمر، وينهى لمنفعة أنفسكم ولحاجتكم.
أو يقول: تعلمون أنه هو ربكم ورب ما ذكر من السماوات والأرض وما بينهما، فكيف تعبدون من تعلمون أنه ليس بربكم ولا إله، وإنما الإله ما ذكر، فتتركون عبادته وطاعته...
{العزيز الغفار} لا يلحقه الذل بذل أوليائه وخدمه؛ لأنه عزيز بذاته لا بأحد، ليس كملوك الأرض يذلون، إذ ذل أولياؤهم وأتباعهم؛ لأن عزهم بأوليائهم وأتباعهم.
لما ذكر ذلك أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب فقال: {رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار} فكونه ربا مشعر بالتربية والإحسان والكرم والجود، وكونه غفارا مشعر بالترغيب، وهذا الموجود هو الذي تجب عبادته؛ لأنه هو الذي يخشى عقابه ويرجى فضله وثوابه.
ونذكر طريقة أخرى في تفسير هذه الآيات، فنقول: إنه تعالى ذكر من صفاته في هذا الموضع خمسة: الواحد والقهار والرب والعزيز والغفار؛ أما كونه واحدا فهو الذي وقع الخلاف فيه بين أهل الحق وبين المشركين واستدل تعالى على كونه واحدا بكونه قهارا وقد بينا وجه هذه الدلالة؛ إلا أن كونه قهارا وإن دل على إثبات الوحدانية إلا أنه يوجب الخوف الشديد، فأردفه تعالى بذكر صفات ثلاثة دالة على الرحمة والفضل والكرم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما وصف نفسه سبحانه بذلك، دل عليه بقوله: {رب السماوات والأرض}
ولما كان القائل مخيراً كما قال ابن مالك في الكافية الشافية عند اختلاط العقلاء بغيرهم في إطلاق ما شاء من "مَن "التي أغلب إطلاقها على العقلاء و "ما" التي هي بعكس ذلك، وكان ربما وقع في وهم أن تمكنه تعالى من العقلاء دون تمكنه من غيرهم لما لهم من الحيل التي يحترزون بها عن المحذور، وينظرون بها في عواقب الأمور، أشار إلى أن حكمه فيهم كحكمه في غيرهم من غير فرق بالتعبير عنهم ب
" ما "التي أصلها وأغلب استعمالها لمن لا يعقل، وسياق العظمة بالوحدانية وآثارها دال على دخولها في العبادة قطعاً فقال: {وما بينهما} أي الخافقين من الفضاء والهواء وغيرهما من العناصر والنبات والحيوانات العقلاء وغيرها، رب كل شيء من ذلك إيجاداً وإبقاء على ما يريد وإن كره ذلك المربوب، فدل ذلك على قهره، وتفرده في جميع أمره.
ولما كان السياق للإنذار، كرر ما يدل على القهر فقال: {العزيز} أي الذي يعز الوصول إليه.
ولما ثبت أنه يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، وكانت دلالة الوصفين العظيمين على الوعيد أظهر من إشعارها بالوعد، كان موضع قولهم، فما له لا يعجل بالهلاك لمن يخالفه فقال: {الغفار} أي المكرر ستره لما يشاء من الذنوب حلماً إلى وقت الماحي لها بالكلية بالنسبة إلى من يشاء من العباد.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
أما القهار لكل شيء فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهاراً له ضرورة أنه لا يكون حينئذ إلهاً بل ربما يلزم أن يكون مقهوراً وذلك مناف للألوهية تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وأما {رَبّ السموات} الخ؛ فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه، جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما.
وقيل: لأن معنى {رَبّ السموات} الخ رب كل موجود، فيدخل فيه كل ما سواه، فلا يكون إلهاً.
وأما العزيز فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب ومع الشركة لا يتم ذلك.
وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء فربما شاء مغفرة لأحد وشاء لآخر منه العقاب، فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلهاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وما قيل في برهان التمانع سؤالاً وجواباً يقال هنا...
وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى، وللاقتصار على وصف الإنذار صريحاً فيما تقدم، قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار، وجيء بالثاني تتميماً له وإيضاحاً لما فيه من الإجمال: أي قل لهم ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته، فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام؛ لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات بمكان لا ينكر؛ ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا بمنزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط وفيه قوله تعالى: {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} [ص: 5] فافهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تصريح بعموم ربوبيته وأنه لا شريك له في شيء منها.
ووصف {العزيزُ} تمهيد للوصف ب {الغَفَّارُ} أي الغفّار عن عزّة ومقدرة لا عن عجز وملق أو مراعاة جانب مساو.
والمقصود من وصف {الغفَّارُ} هنا استدعاء المشركين إلى التوحيد بعد تهديدهم بمفاد وصف {القهَّارُ}؛ لكي لا ييأسوا من قبول التوبة بسبب كثرة ما سيق إليهم من الوعيد، جرياً على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب والعكس...