{ ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً } يشوق ويطرب ، والزنجبيل : مما كانت العرب تستطيبه جداً ، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة . قال مقاتل : لا يشبه زنجبيل الدنيا . قال ابن عباس : كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له في الدنيا مثل . وقيل : هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل . قال قتادة : يشربها المقربون صرفاً ، ويمزج لسائر أهل الجنة .
وقوله : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا } {[29607]} أي : ويسقون - يعني الأبرار أيضا - في هذه الأكواب { كَأْسًا } أي : خمرًا ، { كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا } فتارة يُمزَج لهم الشراب بالكافور وهو بارد ، وتارة بالزنجبيل وهو حار ، ليعتدل الأمر ، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة . وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِرْفًا ، كما قاله قتادة وغير واحد .
وقوله : وَيُسْقَوْنَ فِيها كأسا كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً يقول تعالى ذكره : ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا ، وهي كلّ إناء كان فيه شراب ، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له كأس ، وإنما يقال له إناء ، كما يقال للطبق الذي تهدي فيه الهدية المِهْدَى مقصورا ما دامت عليه الهدية فإذا فرغ مما عليه كان طبقا أو خِوَانا ، ولم يكن مِهْدًى كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً يقول : كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلاً .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً قال : تُمْزَج بالزنجبيل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً قال : يأثُرُ لهم ما كانوا يشربون في الدنيا . زاد الحارث في حديثه : فَيُحَبّبُهُ إليهم .
وقال بعضهم : الزنجبيل : اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيُسْقَوْنَ فِيها كأسا كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً عَيْنا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً رقيقة يشربها المقرّبون صِرْفا ، وتمزج لسائرٍ أهل الجنة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويسقون فيها كأسا} يعني خمرا، وكل شراب في الإناء ليس بخمر، وليس هو بكأس، فقال: {كان مزاجها زنجبيلا} يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ويُسْقَى هؤلاء القوم الأبرار في الجنة كأسا، وهي كلّ إناء كان فيه شراب، فإذا كان فارغا من الخمر لم يقل له كأس، وإنما يقال له إناء..
وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار.
"كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً" يقول: كان مزاج شراب الكأس التي يُسقون منها زنجبيلاً. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: يمزج لهم شرابهم بالزنجبيل.
وقال بعضهم: الزنجبيل: اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار.
عن قتادة، قوله: "وَيُسْقَوْنَ فِيها كأسا كانَ مِزَاجُها زَنْجَبِيلاً عَيْنا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً": رقيقة يشربها المقرّبون صِرْفا، وتمزج لسائرٍ أهل الجنة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} [{عينا فيها تسمى سلسبيلا}] فمنهم من زعم أن العرب إذا أعجبهم شراب نعتوه، وقالوا: كالزنجبيل، فخرجت البشارة من الوجه الذي ترغب في مثله الأنفس، ومنهم من ذكر أن الزنجبيل والسلسبيل واحد، وهما اسم العين، ومنهم من ذكر في السلسبيل، أي سلّ سبيلا إلى تلك العين. وقال قتادة: أي سلسلة السبيل، مستعذب ماؤها، وقيل: {سلسبيلا} شديد الجرية.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها: تمزج بالزنجبيل، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول، قاله السدي وابن أبي نجيح.
الثالث: أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة.
واعلم أنه تعالى لما وصف أواني مشروبهم ذكر بعد ذلك وصف مشروبهم، فقال: {ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} العرب كانوا يحبون جعل الزنجبيل في المشروب، لأنه يحدث فيه ضربا من اللذع، فلما كان كذلك وصف الله شراب أهل الجنة بذلك، ولا بد وأن تكون في الطيب على أقصى الوجوه.
قال ابن عباس: وكل ما ذكره الله تعالى في القرآن مما في الجنة، فليس منه في الدنيا إلا الاسم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى الآية أن هذه سقْية أخرى، أي مرة يشربون من كأس مزاجها الكافور ومرة يسقون كأساً مزاجها الزنجبيل.
وضمير {فيها} للجنة من قوله: {جنة وحريراً} [الإنسان: 12].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يضيف تعالى: (ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً).
صرح الكثير من المفسرين بأنّ عرب الجاهلية كانوا يتلذذون بالشراب الممزوج بالزنجبيل، لأنّه كان يعطي قوّة خاصة للشراب.
ويتحدث القرآن هنا عن الشراب الطهور الممزوج بالزنجبيل، ومن البديهي أنّ الفرق بين هذا الشراب وذلك الشراب كالفرق بين السماء والأرض وبالأحرى بين الدنيا والآخرة.
والجدير بالذكر أنّ العرب كانوا يستخدمون نوعين من الشراب: أحدهما يبعث على النشاط والحركة، والآخر مُفَتّر ومهدئ. والأوّل يمزج مع الزنجبيل، أمّا الثّاني فمع الكافور، وبما أنّ حقائق عالم الآخرة لا يمكن أن يعبر عنها في إطار ألفاظ هذا العالم، فلا سبيل إلاّ استخدام هذه الألفاظ للدلالة على معان أوسع وأعلى تحكي عن تلك الحقائق العظيمة.