اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيُسۡقَوۡنَ فِيهَا كَأۡسٗا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا} (17)

قوله : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً } . وهي الخمر في الإناء { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } ، «كان » صلة ، أي : مزاجها زنجبيل ، أو كان في حكم الله زنجبيلاً ، وكانت العرب يستلذُّون من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته ؛ لأنه يحذو اللسان ، ويهضم المأكول ، ويحدث في المشروب ضرباً من اللّذع ، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب .

والزنجبيل : نبث معروف ؛ وسميت الكأس بذلك ؛ لوجود طعم الزنجبيل فيها ؛ وأنشد الزمخشري للأعشى : [ المتقارب ]

5048- كَأنَّ القَرنْفُلَ والزَّنْجَبِي *** لَ بَاتَا بِفيهَا وأريْاً مَشُورا{[58920]}

وأنشد للمسيب بن علس يصف ثغر امرأة : [ الكامل ]

5049أ- وكَأنَّ طَعْمَ الزَّنْجبيلَِ بِهِ *** إذْ ذُقْتُهُ وسُلافَة الخَمْرِ{[58921]}

ويروى : وسلافَةُ الكَرْمِ .

وقال مجاهد : «الزنجبيل » اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار ، وكذا قال قتادة{[58922]} : وقيل : هي عين في الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل .

والمعنى : كأن فيها ، وتكون قد عطفت «رأيت » الثاني على الأول ، ويكون فعل الجواب محذوفاً ، ويكون فعل الجواب المحذوف هو الناصب لقوله تعالى : { نَعِيماً } ، والتقدير : إذا صدر منك رؤية ؛ ثم صدر منك رؤية أخرى رأيت نعيماً وملكاً فرأيت هذا هو الجواب .

فصل في بيان الخطاب لمن ؟ !

هذا الخطاب قيل : للنبي صلى الله عليه وسلم .

وقيل : عامّ ، والنعيم : ما يتنعم به .

والملك الكبير : قال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير ، تسليم الملائكة عليهم .

وقيل : كون التيجان على رءوسهم كما يكون على رءوس الملوك .

وقال السديُّ ومقاتل : هو استئذان الملائكة عليهم{[58923]} .

وقال الحكيم والترمذي : هو ملك التكوين إذا أراد شيئاً قال له : كن .

وفي الخبر : أن الملك الكبير هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وأن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربِّه - تعالى - كل يوم مرتين .


[58920]:رواية البيت كما في ديوان الأعشى: كَأنَّ جنيا من الزَّنْجَبي *** لَ بَاتَ بِفيهَا وأريْاً مَشُورا ينظر ديوان الأعشى ص 85، والكشاف 4/672، واللسان (زنجبيل)، ومجمع البيان 6/385، 10/621، والقرطبي 19/92، والدر المصون 6/446.
[58921]:ينظر الكشاف 4/672، والقرطبي 19/92، والبحر 8/385، والدر المصون 6/446.
[58922]:ذكره الطبري في "تفسيره" (12/368) والماوردي (6/170) والقرطبي (19/92).
[58923]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/92).