فحملهم اللّه تعالى ، ونجاهم بالأسباب التي علمهم اللّه بها ، من الغرق ، و[ لهذا ] نبههم على نعمته عليهم حيث أنجاهم{[756]} مع قدرته على ذلك ، فقال : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ } أي : لا أحد يصرخ لهم فيعاونهم على الشدة ، ولا يزيل عنهم المشقة ، { وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ } مما هم فيه
( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون . إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين ) . . والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح ، مهما ثقلت وضخمت وأتقن صنعها . وإلا تدركها رحمة الله فهي هالكة هالكة في لحظة من ليل أو نهار . والذين ركبوا البحار سواء عبروها في قارب ذي شراع أو في عابرة ضخمة للمحيط ، يدركون هول البحر المخيف ؛ وضآلة العصمة من خطره الهائل وغضبه الجبار . ويحسون معنى رحمة الله ؛ وأنها وحدها العاصم بين العواصف والتيارات في هذا الخلق الهائل الذي تمسك يد الرحمة الإلهية عنانه الجامح ، ولا تمسكه يد سواها في أرض أو سماء . وذلك حتى يقضي الكتاب أجله ، ويحل الموعد المقدور في حينه ، وفق ما قدره الحكيم الخبير : ومتاعاً إلى حين . .
وقوله : وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهمْ يقول تعالى ذكره : وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفُلك في البحر فَلا صَريخَ لَهُمْ يقول : فلا مُغِيثَ لهم إذا نحن غرْقناهم يُغِيثهم ، فينجيهم من الغرق ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنْ نَشأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهمْ : أي لا مُغِيث .
وقوله : وَلاَ هُمْ يُنْقَذُونَ يقول : ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر ، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم ، فننجيهم منه .
وجملة { وإن نَشَأْ نُغْرِقهُم } عطف على جملة { أنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّاتَهُم } باعتبار دلالتها الكنائية على استمرار هذه الآية وهذه المنة تذكيراً بأن الله تعالى الذي امتنّ عليهم إذا شاء جعل فيما هو نعمة على الناس نقمة لهم لحكمة يعلمها . وهذا جرى على عادة القرآن في تعقيب الترغيب بالترهيب وعكسِه لئلا يبطر الناس بالنعمة ولا ييأسوا من الرحمة . وقرينة ذلك أنه جيء في هذه الجملة بالمضارع المتمحّض في سياق الشرط لكونه مستقبلاً ، وهذا كقوله تعالى : { أفأمِنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصباً ثم لا تجدوا لكم وكيلاً أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً } [ الإسراء : 6869 ] .
والصريخ : الصارخ وهو المستغيث المستنجد تقول العرب : جاءهم الصريخ ، أي المنكوب المستنجد لينقذوه ، وهو فعيل بمعنى فاعل . ويطلق الصريخ على المغيث فعيل بمعنى مفعول ، وذلك أن المنجد إذا صرخ به المستنجد صرخ هو مجيباً بما يطمئن له من النصر . وقد جمع المعنيين قول سلامة بن جندل أنشده المبرد في « الكامل » "
إنا إذا أتانا صارخ فزع *** كان الصُراخ له قَرع الظَنابيب
والظنابيب : جمع ظُنبوب وهو مسمار يكون في جُبة السنان . وقرع الظنابيب تفقد الأسنة استعداداً للخروج .
والمعنى : لا يجدون من يستصرخون به وهم في لُجج البحر ولا ينقذهم أحد من الغرق .
والإنقاذ : الانتشال من الماء .
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : { ولا هم يُنقَذُونَ } لإِفادة تقوّي الحكم وهو نفي إنقاذ أحدٍ إياهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.