قوله : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } قرأ الحسن بتشديد{[46271]} الراء وهذه الآية تدل على أن المراد بقوله : { مِنْ مِثْلِهِ } الفلك الموجود{[46272]} في زمانهم وليس المراد الإبل كما قاله بعض المفسرين بأن المراد الإبلُ لأنها سفنُ البرِّ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون قوله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } فاصلاً بين متصلين . ويحتمل أن يقال : الضمير في مثله يعود إلى معلوم غير مذكور . وتقريره أن يقال : وخَلَقْنَا لهم من مثل ما ذكر من المخلوقات كما في قوله تعالى : { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } [ يس : 35 ] أن الهاء عائدة إلى ما ذكرنا أي من{[46273]} ثمرنا .
في قوله : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } فائدتان :
إحداهما : أن في حال النعمة ينبغي أن لا يُؤْمَنَ{[46274]} عذابُ الله .
والثانية : أن ذلك جواب عن سؤال مقدر وهو أن الطَّبيعيِّ يقول : السفينة تَحْمِلُ بمُقْتَضَى الطَّبِيعَة والمجوَّف لا يرسب ، فقال : ليس كذلك بل لو شاء الله إغراقهم لأغرقهم وليس كذلك بمُقْتَضى الطبيعة ولو صح كلامه الفاسد لكان لقائل أن يقول : ألست توافق أن من السفن ما ينقلب وينكسر ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب وكل ذلك بمشيئة الله فإن شاء أغرقهم من غير شيء من هذه الأسباب كما هو مذهب أهل السنة أو شيء من تلك الأسباب التي سلمتها أنت{[46275]} .
قوله : { فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ } فَعِيلٌ بمعنى فاعل لا مغيث{[46276]} لهم . وقيل : فلا مُسْتَغيث{[46277]} . وقال الزمخشري : فلا إغاثة جعله مصدراً من «أصْرَخَ »{[46278]} . قال أبو حيان «ويحتاج إلى نقل أن «صَرِيحاً » يكون مصدراً بمعنى إصراخ »{[46279]} . والعامة على فتح «صَرِيخَ » . وحكى أبو البقاء أنه قرئ بالرفع والتنوين{[46280]} . قال : ووجهه{[46281]} على ما في قوله : { فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 38 ] .
معناه : لا مُغيثَ لهم يمنع عنهم الغَرَقَ «وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ » إذا أدركهم الغرق لأن الخلاص من العذاب إما أن يكون برفع العذاب من أصله أو برفعه بعد وقوعه فقال : «لاَ صَرِيْخ لَهُمْ » يدفع ولا هم يُنْقَذُونَ بعد الوقوع فيه وهو كقوله تعالى : { لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } [ يس : 23 ] . وفيه فائدة أخرى غير الحصر وهي أنه تعالى قال : لا صَرِيخ لهم ولم يقل : ولا منقذ لهم ؛ لأ ( نَّ ){[46282]} مَنْ لا يكون مِن شأنه أن ينصر لا يشرع{[46283]} في النصر مخافة أن يْغلَبَ ويذهبَ ماءُ وَجْهِهِ وإنما يَنْصُرُ ويغيث من كان من شأنه أن يُغِيثَ فقال : «لاَ صِرِيخَ لَهُمْ » وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعين{[46284]} عليه في نصره يشرع في الإنقاذ وإن لم يثِقْ من نفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه وإنما يبذل المجهود فقال : «ولا هم ينقذون » ولم يقل : ولا منقذ لهم ، ثم استثنى وقال : «إلا رَحْمَةَ مِنَّا وَمَتَاعاً إلى حِينٍ » وهو يفيد أمرين :
أحدهما : انقسام الإنقاذ إلى قسمين : الرحمة والمَتَاع أي فمن عَلِمَ أنه يؤمن{[46285]} فينقذه الله رحمة وفيمن علم أنه لا يؤمن فليمتنع{[46286]} زماناً ويزداد إثمه .
وثانيهما : أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزّوال في الدنيا لا بدَّ منه ، فينقذه رحمة ويمتعه إلى حين ثم يميته فإذن الزوال لازم أن يقع . قال ابن عباس المراد «بالحِينِ » انقضاء آجالهم يعني ( إلاَّ ){[46287]} أن يرحمهم ويمتعهم إلى حين آجالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.