وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم ، فإنه { ليس بظلام للعبيد } فإنه منزه عن ذلك ، وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخازي والقبائح ، التي أوجبت استحقاقهم العذاب ، وحرمانهم الثواب .
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود ، تكلموا بذلك ، وذكروا منهم " فنحاص بن عازوراء " من رؤساء علماء اليهود في المدينة ، وأنه لما سمع قول الله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } { وأقرضوا الله قرضا حسنا } قال : -على وجه التكبر والتجرهم- هذه المقالة قبحه الله ، فذكرها الله عنهم ، وأخبر أنه ليس ببدع من شنائعهم ، بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك ، وهو : { قتلهم الأنبياء بغير حق } هذا القيد يراد به ، أنهم تجرأوا على قتلهم مع علمهم بشناعته ، لا جهلا وضلالا ، بل تمردا وعنادا .
جزاء وفاقا ، لا ظلم فيه ، ولا قسوة :
( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) . .
والتعبير بالعبيد هنا ، إبراز لحقيقة وضعهم - وهم عبيد من العبيد - بالقياس إلى الله تعالى . وهو يزيد في شناعة الجرم ، وفظاعة سوء الأدب . الذي يتجلى في قول العبيد ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) والذي يتجلى كذلك في قتل الأنبياء . .
هؤلاء الذين قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، والذي قتلوا الأنبياء . . هم الذي يزعمون أنهم لا يؤمنون بمحمد [ ص ] لأن الله عهد إليهم - بزعمهم - ألا يؤمنوا لرسول ، حتى يأتيهم بقربان يقدمونه ، فتقع المعجزة ، وتبهط نار تأكله ، على نحو ما كانت معجزة بعض أنبياء بني إسرائيل . وما دام محمد لم يقدم لهم هذه المعجزة فهم على عهد مع الله ! !
وأما قوله : { ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيكُمْ } : أي قولنا لهم يوم القيامة : ذوقوا عذاب الحريق بما أسلفت أيديكم ، واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا ، وبأن الله عدل لا يجور ، فيعاقب عبدا له بغير استحقاق منه العقوبة ، ولكنه يجازي كلّ نفس بما كسبت ، ويوفي كل عامل جزاء ما عمل ، فجازى الذين قال لهم يوم القيامة من اليهود الذين وصف صفتهم ، فأخبر عنهم أنهم قالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، وقتلوا الأنبياء بغير حقّ ، بما جازاهم به من عذاب الحريق ، بما اكتسبوا من الاَثام ، واجترحوا من السيئات ، وكذبوا على الله بعد الإعذار إليهم بالإنذار ، فلم يكن تعالى ذكره بما عاقبهم به من إذاقتهم عذاب الحريق ظالما ولا واضعا عقوبته في غير أهلها ، وكذلك هو جلّ ثناؤه غير ظلام أحدا من خلقه ، ولكنه العادل بينهم ، والمتفضل على جميعهم بما أحبّ من فواضله ونعمه .
وقوله تعالى : { ذلك بما قدمت أيديكم } توبيخ وتوقيف داخل فيما يقال لهم يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون خطاباً لمعاصري النبي عليه السلام يوم نزول الآية ، ونسب هذا التقديم إلى اليد إذ هي الكاسبة للأعمال في غالب أمر الإنسان ، فأضيف كل كسب إليها ، ثم بين تعالى : أنه يفعل هذا بعدل منه فيهم ووضع الشيء موضعه ، والتقدير : وبأن الله { ليس بظلام للعبيد } وجمع «عبداً » في هذه الآية على عبيد ، لأنه مكان تشفيق وتنجية من ظلم{[3753]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.