غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ} (182)

176

{ ذلك } العذاب أو الوعيد { بما قدمت أيديكم } من السب والقتل . وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال يباشر باليد ، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب وإن كان بعضه باللسان أو بسائر الجوارح والآلات . وإنما جمع لأن المخاطب جمع ولو كان مفرداً . قيل : بما قدمت يداك مثنى كما في سورة الحج . قال الجبائي : قوله : { وأن الله } أي وبأن الله ليس بظلام للعبيد ، فيه دلالة على أن فعل العقاب بهم كان يكون ظلماً بتقدير أن لا يقع منهم الذنوب . وفيه بطلان قول المجبرة أن الله يعذب الأطفال بغير جرم ويجوز أن يعذب البالغين بغير ذنب ، ويدل على كون العبد فاعلاً وإلا لكان الظلم حاصلاً . والجواب أنه لم ينف الظلم عن نفسه بمعنى أن الجزاء إنما كان مرتباً على الذنب الصادر بكسب العبد وفعله فلا ظلم ، بل بمعنى أنه مالك الملك ، والمالك إذا تصرف في ملكه كيف شاء لم يكن ذلك ظلماً . فخلق ذلك الفعل فيهم وترتيب العذاب عليه لا يكون ظلماً . قيل : إنه نفى الظلم الكثير عن نفسه وذلك يوهم ثبوت أصل الظلم له ، أجاب القاضي بأن العذاب الذي توعد بأن يفعل بهم لو كان ظلماً لكان عظيماً ، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتاً . وهذا يؤكد ما ذكر أن إيصال العقاب إليهم كان يكون ظلماً عظيماً لو لم يكونوا مذنبين ، أقول : إنه تعالى نفى حقيقة الظلم عنه في قوله :{ وما ظلمناهم }[ هود :101 ]{ وهم لا يظلمون }[ البقرة :281 ] وبحقيقة ما ذكرناه أنه مالك الكل له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ولكنه نفى ههنا كثرة الشر والظلم أن يصدر عنه كأنه قال : إن خُيِّلَ إليكم أن في الوجود شراً بناء على ما في ظنكم من أن الحكيم قد يصدر عنه الشر القليل بتبعية الخير الكثير ، فاعلموا أني منزه عن صدور الشر الكثير مني ، وأن هذا من الشر القليل الذي في ضمنه خير كثير . ونقول : أراد نفي الشر القليل وأصل الظلم عنه ، ولكن القليل من الظلم بالنسبة إلى رحمته الذاتية كثير ، فلهذا عبر عنه بلفظ الكثرة والمبالغة .

/خ189