فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ} (182)

ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد182 الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين183فإن كذبوك فقد كذبت رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير184

والإشارة بقوله ( ذلك بما قدمت أيديكم ) إلى العذاب المذكور قبله ، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة ، وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي ( وان الله ليس بظلام للعبيد ) معطوف على ما قدمت أيديكم .

ووجهه انه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب وجازاهم على فعلهم فلم يكن ذلك ظلما ، أو بمعنى انه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس بظالم لمن عذبه بذنبه ، وقيل إن وجهه ان نفي الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسئ ، ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ليس بظلم عقلا ولا شرعا حتى ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب .

وقيل إن جملة قوله وان الله ليس بظلام للعبيد في محل رفع على انها خبر مبتدأ محذوف أي والأمر ان الله ليس بظلام للعبيد ، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان تنزهه عن ذلك ، ونفي ظلام المشعر بالكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم ، وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا ، عن ابن عباس قال ، ما انا بمعذب من لم يجترم .