سورة القصص الثامنة والعشرون في ترتيب السور بالمصحف ، وهي من السور المكية ، وعدد الآيات فيها ثمان وثمانون .
وقد اشتملت على تفصيل لما ذكر قبلها إجمالا ، ومن شأن موسى عليه السلام منذ ولد في عهد فرعون ، وكان فرعون يقتل الأبناء من بني إسرائيل خوفا من ظهور نبي يقضي على سلطانه .
ثم ما كان من مناجاة الله لموسى أثناء عودته ، واختياره للرسالة ، وما حدث من شأن فرعون وسحرته مع موسى ، إلى أن أغرق الله فرعون وجنده ، ونجى موسى ومن معه من بني إسرائيل ، ثم ما كان من بني إسرائيل مع موسى وأخيه هارون ، وما يتصل بهذا من أنباء المكذبين كقارون ومن سبقه من الكافرين . ولهذا البيان الشامل سميت السورة بسورة القصص .
1- طسم : حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف التي يتألف منها حديثكم ، ولتنبيه السامعين .
القول في تأويل قوله تعالى : { طسَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نّبَإِ مُوسَىَ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .
قال أبو جعفر : قد بيّنا قبل فيما مضى تأويل قول الله عزّ وجل طسم ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويله ، وأما قوله : تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ فإنه يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد ، المبين أنه من عند الله ، وأنك لم تتقوّله ولم تتخرّصه . وكان قتادة فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما :
حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله طسم . تلكَ آياتُ الكِتابِ المُبِينِ يعني مبين والله بركته ورشده وهداه .
هذه السورة مكية إلا قوله عز وجل ' إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد '{[1]} نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قاله ابن سلام وغيره وقال مقاتل فيها من المدني ' الذين آتيناهم الكتاب{[2]} ' إلى قوله ' لا نبتغي الجاهلين '{[3]} .
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة ، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا .
سميت سورة القصص ولا يعرف لها اسم آخر . ووجه التسمية بذلك وقوع لفظ { القصص } فيها عند قوله تعالى { فلما جاءه وقص عليه القصص } .
فالقصص الذي أضيفت إليه السورة هو قصص موسى الذي قصه على شعيب عليهما السلام فيما لقيه في مصر قبل خروجه منها . فلما حكي في السورة ما قصه موسى كانت هاته السورة ذات قصص لحكاية قصص ، فكان القصص متوغلا فيها . وجاء لفظ القصص في سورة يوسف ولكن سورة يوسف نزلت بعد هذه السورة .
وهي مكية في قول جمهور التابعين . وفيها آية { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } . قيل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الجحفة في طريقه إلى المدينة للهجرة تسلية له على مفارقة بلده . وهذا لا يناكد أنها مكية لأن المراد بالمكي ما نزل قبل حلول النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة كما أن المراد بالمدني ما نزل بعد ذلك ولو كان نزوله بمكة .
وعن مقاتل وأبن عباس أن قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إلى قوله { سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } نزل بالمدينة .
وهي السورة التاسعة والأربعون في عداد نزول سور القرآن ، نزلي بعد سورة النمل وقبل سورة الإسراء ، فكانت هذه الطواسين الثلاث متتابعة في النزول كما هو ترتيبها في المصحف ، وهي متماثلة في افتتاح ثلاثتها بذكر موسى عليه السلام . ولعل ذلك الذي حمل كتاب المصحف على جعلها متلاحقة .
وهي ثمان وثمانون آية باتفاق العادين .
اشتملت هذه السورة على التنويه بشأن القرآن والتعريض بأن بلغاء المشركين عاجزون عن الإتيان بسورة مثله . وعلى تفصيل ما اجمل في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى { ألم نربك فينا وليدا } إلى قوله { وأنت من الكافرين } ففصلت سورة القصص كيف كانت تربية موسى في آل فرعون .
وبين فيها سبب زوال ملك فرعون .
وفيها تفصيل ما أجمل في سورة النمل من قوله { إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا } ففصلت سورة القصص كيف سار موسى وأهله وأين آنس النار ووصف المكان الذي نودي فيه بالوحي إلى أن ذكرت دعوة موسى فرعون فكانت هذه السورة أوعب لأحوال نشأة موسى إلى وقت إبلاغه الدعوة ثم أجملت ما بعد ذلك لأن تفصيله في سورة الأعراف وفي سورة الشعراء . والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر .
وإذ قد كان سوق تلك القصة إنما هو للعبرة والموعظة ليعلم المشركون سنة الله في بعثة الرسل ومعاملته الأمم المكذبة لرسلها .
وتحدى المشركين بعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ولا خالط أهل الكتاب ، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك وأنذرهم إنذارا بليغا .
وفند قولهم { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } من الخوارق كقلب العصا حية ثم انتقاضهم في قولهم إذ كذبوا موسى أيضا .
وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة .
وأبطل معاذيرهم ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله .
وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى وفيها كلها نعم عليهم وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء .
وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم بأن ذلك متاع الدنيا وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى .
وأعقبه بضرب المثل لهم بحال قارون في قوم موسى . وتخلص من ذلك إلى التذكير بأن أمثال أولئك لا يحظون بنعيم الآخرة وأن العاقبة للمتقين .
وتخلل ذلك إيماء إلى اقتراب مهاجرة المسلمين إلى المدينة ، وإيماء إلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } الآية .
وختم الكلام بتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته ووعده بأنه يجعل بلده في قبضته ويمكنه من نواصي الضالين .
ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيله من معرفة نافعة لهم تنظيرا لحالهم وحال أعدائهم . فالمقصود ابتداء هم المسلمون ولذلك قال تعالى في أولها { نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون }أي للمؤمنين .