قوله تعالى : { قال } قرأ ابن عامر وحفص : { قال } على الخبر ، وقرأ الآخرون { قل } على الأمر ، { أو لو جئتكم } قرأ أبو جعفر : " جئناكم " على الجمع ، والآخرون على الواحد ، { بأهدى } بدين أصوب ، { مما وجدتم عليه آباءكم } قال الزجاج : قل لهم : أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه ؟ فأبوا أن يقبلوه .
قوله تعالى : { قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } .
{ قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ . . } .
أى : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقومه الذين أصروا على تقليد آبائهم فى الكفر والضلال : أتتبعون آباءكم وتقتدون بهم فى الكفر ، حتى جئتكم بدين اهدى وأصوب مما كان عليه آباؤكم ؟
وقوله : - تعالى - : { قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم . وقرأ الجمهور { قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ . . . } على أن الأمر للرسول - صلى الله عليه وسلم .
وقوله - تعالى - : { قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أى : قال المترفون فى الرد على رسلهم : إنا بما أرسلتم به من الهدى والدعوة إلى الدين الحق كافرون ، وباقون على الدين الذى كان عليه آباؤنا .
{ قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } أي أتتبعون آبائكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ، وهي حكاية أمر ماض أوحي إلى النذير ، أو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويؤيد الأول أنه قرأ ابن عامر وحفص { قال } وقوله : { قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون } أي وإن كان أهدى إقناطا للنذير من أن ينظروا أو يتفكروا فيه .
وقرأ جمهور القراء : «قل أو لو » والمعنى : فقلنا للنذير قل . وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم : «قال أو لو » ، ففي «قال » ضمير بعود على النذير . وباقي الآية يدل على أن : «قل » في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد عليه السلام ، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير{[10195]} .
وقوله تعالى : { أو لو } هي ألف الاستفهام دخلت على واو عطف جملة كلام على جملة متقدمة ، و { لو } في هذا الموضع كأنها شرطية بمعنى أن ، كأن معنى الآية : أوإن جئتكم بأبين وأوضح مما كان آباؤكم عليه يصحبكم لجاجكم وتقليدكم ؟ فأجاب الكفار حينئذ لرسلهم : { إنا بما أرسلتم به كافرون } .
ثم قرأ جمهور الناس : «أو لو جئتكم » وقرأ أبو جعفر وأبو شيخ [ الهنائي ] {[10195]} وخالد : «أو لو جئناكم » . وقرأ الأعمش : «أو لو أتيتم » .
{ قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ } .
قرأ الجمهور { قُلْ } بصيغة فعل الأمر لِمفرد فيكون أمراً للرّسول صلى الله عليه وسلم بأن يَقوله جواباً عن قول المشركين { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 22 ] .
وقرأ ابن عامر وحفص { قال } بصيغة فعل المضي المسند إلى المفرد الغائب فيكون الضمير عائداً إلى نذير الذين قالوا { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف : 23 ] . فحصل من القراءتين أن جميع الرّسل أجابوا أقوامهم بهذا الجواب ، وعلى كلتا القراءتين جاء فعل { قل } أو { قال } مفصولاً غير معطوف لأنه واقع في مجال المحاورة كما تقدم غير مرة ، منها قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) .
وقرأ الجمهور جئتكم } بضمير تاء المتكلم . وقرأ أبو جعفر { جئنَاكم } بنون ضمير المتكلم المشارك وأبو جعفر من الذين قرأُوا { قل } بصيغة الأمر فيكون ضمير { جئنَاكم } عائداً للنبيء صلى الله عليه وسلم المخاطب بفعل { قُل } لتعظيمه صلى الله عليه وسلم من جانب ربّه تعالى الذي خاطبه بقوله : { قل } .
والواو في قوله : { أولو } عاطفة الكلام المأمور به على كلامهم ، وهذا العطف مما يسمى عطف التلقين ، ومنه قوله تعالى عن إبراهيم : { قال ومن ذريتي } [ البقرة : 124 ] . والهمزة للاستفهام التقريري المشوببِ بالإنكار . وقدمت على الواو لأجل التصدير .
و { لو } وصلية ، و { لو } الوصلية تقتضي المبالغة بنهاية مدلول شرطها كما تقدم عند قوله تعالى : { ولو افتدى به } في آل عمران ( 91 ) ، أي لو جئتكم بأهدى من دين آبائكم تبقون على دين آبائكم وتتركون ما هو أهدى .
والمقصود من الاستفهام تقريرهم على ذلك لاستدعائهم إلى النظر فيما اتبعوا فيه آباءهم لعل ما دعاهم إليه الرّسول أهدى منهم . وصوغ اسم التفضيل من الهَدي إرخاء للعنان لهم ليتدبروا ، نُزّل ما كان عليهم آباؤهم منزلة ما فيه شيء من الهُدى استنزالاً لطائر المخاطبين ليتصدّوا للنظر كقوله : { وإنّا أو إيّاكم لعلى هُدىً أو في ضلاللٍ مبينٍ } [ سبأ : 24 ] .
{ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون } .
بدل من جملة { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف : 23 ] ، لأن ذلك يشتمل على معنى : لا نتبعكم ونترك ما وجدنا عليه آباءنا ، وضمير { قالوا } راجع إلى { مترفوها } [ الزخرف : 23 ] لأن موقع جملة { فانتقمنا منهم } [ الزخرف : 25 ] يعين أن هؤلاء القائلين وقع الانتقام منهم فلا يكون منهم المشركون الذين وقع تهديدهم بأولئك .
وقولهم : ( ما أرسلتم به ) يجوز أن يكون حكاية لقولهم ، فإطلاقهم اسم الإرسال على دعوة رُسلهم تهكم مثل قوله : { ما لهذا الرّسول يأكل الطعام } [ الفرقان : 7 ] ويجوز أن يكون حكاية بالمعنى وإنما قالوا إنّا بما زعمتم أنكم مرسلون به ، وما أرسلوا به توحيد الإله .