إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞قَٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡۖ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (24)

{ قَالَ } حكايةٌ لما جَرى بين المنذرينَ وبينَ أُممهم عندَ تعللهم بتقليدِ آبائِهم ، أي قالَ كلُّ نذيرٍ منِ أولئكَ المنذرينَ لأممِهم { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } أي أتقتدونَ بآبائِكم ولو جئتُكم { بأهدى } بدينٍ أَهدْى { مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ } من الضلالةِ التي ليستْ من الهدايةِ في شيءٍ وإنما عبر عنها بذلكَ مجاراةً معهم على مسلكِ الإنصافِ وقُرِئ على أنَّه حكايةُ أمرٍ ماضٍ أُوحيَ حينئذٍ إلى كلِّ نذيرٍ لا على أنَّه خطابٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم و كما قيل ، لقولِه تعالى : { قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون } فإنَّه حكايةٌ عن الأممِ قطعاً أيْ قالتْ كلُّ أمةٍ لنذيرِها إنَّا بَما أرسلتَ بهِ إلخ وقد أجملَ عندَ الحكايةِ للإنجازِ كما مرَّ في قولِه تعالى : { وَمَعِينٍ يا أَيُّهَا الرسل كُلُوا مِنَ الطيبات } [ سورة المؤمنون ، الآية 51 ] وجعلُه حكايةً عن قومِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بحملِ صيغةِ الجمعِ على تغليبِه على سائرِ المنذرينَ عليهم السَّلامُ ، وتوجيُه كفرِهم إلى مَا أرسلَ به الكُلُّ من التوحيدِ لإجماعِهم عليهِ كما في نظائرِ قولِه تعالى : { كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين } تمحُّلٌ بعيدٌ يردُّه بالكلِّيةِ قولُه تعالى { فانتقمنا مِنْهُمْ } .