قوله تعالى : { فسلام لك من أصحاب اليمين } أي : سلامة لك يا محمد منهم ، فلا تهتم لهم ، فإنهم سلموا من عذاب الله ، وأنك ترى فيهم ما تحب من السلامة . قال مقاتل : هو أن الله تعالى يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم . وقال الفراء وغيره : مسلم لك أنهم من أصحاب اليمين ، أو يقال لصاحب اليمين : مسلم لك إنك من أصحاب اليمين ، فألقيت إن كان الرجل يقول إني مسافر عن قليل ، فيقول له : أنت مصدق مسافر عن قليل ، وقيل : { فسلام لك } يعني : عليك من أصحاب اليمين .
{ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين } أى : فتقول له الملائكة عند قبض روحه وفى قبره ، وفى الجنة ، سلام لك يا صاحب اليمين ، من أمثالك أصحاب اليمين .
قال الآلوسى : وقوله : { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين } قيل هو على تقدير القول . أى : فيقال لذلك المتوفى منهم : سلام لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم فى خير . أى : كن فارغ البال من جهتهم فإنهم بخير .
وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة ، كلام يفيد عظمة حالهم ، كما يقال : فلان ناهيك به ، وحسبك أنه فلان ، إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل .
{ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } أي : تبشرهم الملائكة بذلك ، تقول لأحدهم : سلام لك ، أي : لا بأس عليك ، أنت إلى سلامة ، أنت من أصحاب اليمين .
وقال قتادة وابن زيد : سَلِمَ من عذاب الله ، وسَلَّمت عليه ملائكة الله . كما قال عِكْرِمَة تسلم عليه الملائكة ، وتخبره أنه من أصحاب اليمين .
وهذا معنى حسن ويكون ذلك كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نزلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [ فصلت : 30 - 32 ] .
وقال البخاري : { فَسَلامٌ لَكَ } أي : مُسلم لك ، أنك من أصحاب اليمين . وألغيت " إن " {[28193]} وهو : معناها ، كما تقول : أنت مُصَدق مسافر عن قليل . إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل . وقد يكون كالدعاء له ، كقولك : سقيًا لك من الرجال ، إن رفعت " السلام " فهو من الدعاء{[28194]} .
وقد حكاه ابن جرير هكذا عن بعض أهل العربية ، ومال إليه ، والله أعلم{[28195]} .
يقول تعالى ذكره : وأمّا إنْ كانَ الميت مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ الذين يُؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ . ثم اختلف في معنى قوله : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فقال أهل التأويل فيه ما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فسلام لك من أصحاب اليمين قال : سلام من عند الله ، وسلّمت عليه ملائكة الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينٍ قال : سلم مما يكره .
وأما أهل العربية ، فإنهم اختلفوا في ذلك ، فقال بعض نحوّيي البصرة وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ : أي فيقال سلم لك . وقال بعض نحويّي الكوفة : قوله : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ : أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين ، وألقيت «أن » ونوى معناها ، كما تقول : أنت مصدّق مسافر عن قليل ، إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل ، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل ، ومصدّق عن قليل . قال : وقوله : فَسَلامٌ لَكَ معناه : فسلم لك أنت من أصحاب اليَمين . قال : وقد يكون كالدعاء له ، كقوله : فسُقيا لك من الرجال . قال : وإن رفعت السلام فهو دعاء ، والله أعلم بصوابه .
وقال آخر منهم قوله : فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فإنه جمع بين جوابين ، ليعلم أن أمّا جزاء . قال : وأما قوله : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينِ قال : وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا ، ثم حذفت «أن » وأقيم «مِنْ » مَقامها . قال : وقد قيل : فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِينِ ، فهو على ذاك : أي سلام لك ، يقال : أنت من أصحاب اليمين ، وهذا كله على كلامين . قال : وقد قيل مسلم : أي كما تقول : فسلام لك من القوم ، كما تقول : فسُقيا لك من القوم ، فتكون كلمة واحدة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : معناه : فسلام لك إنك من أصحاب اليمين ، ثم حُذفت واجتزىء بدلالة مِنْ عليها منها ، فسلمت من عذاب الله ، ومما تكره ، لأنك من أصحاب اليمين .
وقوله تعالى : { فسلام لك من أصحاب اليمين } عبارة تقتضي جملة مدح وصفة تخلص وحصول في عال من المراتب ليس في أمرهم إلا السلام والنجاة من العذاب ، وهذا كما تقول في مدح رجل : أما فلانة فناهيك به ، أو فحسبك أمره ، فهذا يقتضي جملة غير مفصلة من مدحه ، وقد اضطربت عبارات المتأولين في قوله تعالى : { فسلام لك } فقال قوم : المعنى : فيقال له مسلم لك إنك من أصحاب اليمين ، وقال الطبري المعنى : { فسلام لك } أنت { من أصحاب اليمين } ، وقيل المعنى { فسلام لك } يا محمد ، أي لا ترى فيهم إلا المسالمة من العذاب ، فهذه الكاف في ذلك إما أن تكون للنبي عليه السلام وهو الأظهر ، ثم لكل معشر فيها من أمته وإما أن تكون لمن يخاطب من أصحاب اليمين ، وغير هذا مما قيل تكلف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.