التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ} (91)

والسلام : اسم للسلامة من المكروه ، ويطلق على التحية ، واللام في قوله : { لك } للاختصاص .

والكلام إجمال للتنويه بهم وعلوّ مرتبتهم وخلاصهم من المكدرات لتذهب نفس السامع كل مذهب .

واختلف المفسرون في قوله : { فسلام لك من أصحاب اليمين } فقيل : كاف الخطاب موجهة لغير معين ، أي لكل من يسمع هذا الخبر . والمعنى : أن السلامة الحاصلة لأصحاب اليمين تسر من يبلغه أمرها . وهذا كما يقال : ناهيك به ، وحسبك به ، و ( من ) ابتدائية ، واللفظ جرى مجرى المثل فطوي منه بعضه ، وأصله : فلهم السلامة سلامة تسرّ من بلغه حديثها .

وقيل : الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وتقرير المعنى كما تقدم لأن النبي صلى الله عليه وسلم يُسرّ بما يناله أهل الإسلام من الكرامة عند الله وهم ممن شملهم لفظ { أصحاب اليمين } . وقيل : الكلام على تقدير القول ، أي فيقال له : سلام لك ، أي تقول له الملائكة .

و { من أصحاب اليمين } خبر مبتدأ محذوف ، أي أنت من أصحاب اليمين ، و { من } على هذا تبعيضية ، فهي بشارة للمخاطب عند البعث على نحو قوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] .

وقيل : الكاف خطاب لمن كان من أصحاب اليمين على طريقة الالتفات . ومقتضى الظاهر أن يقال : فسلام له ، فعدل إلى الخطاب لاستحضار تلك الحالة الشريفة ، أي فيسلم عليه أصحاب اليمين على نحو قوله تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } [ يونس : 10 ] أي يبادرونه بالسلام ، وهذا كناية عن كونه من أهل منزلتهم ، و { من } على هذا ابتدائية .

فهذه محامل لهذه الآية يستخلص من مجموعها معنى الرفعة والكرامة .