ومن مظاهر ذلك أنهم { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أى : كل أمة من أمم الكفر تلك ، عصت رسولها حين أمرها بالمعروف ، ونهاها عن المنكر .
فكانت نتيجة إصرارهم على ارتكاب المعاصى والفواحش . . أن أخذهم الله - تعالى - { أَخْذَةً رَّابِيَةً } أى : أخذة زائدة فى الشدة - لزيادة قبائحهم - على الأخذات التى أخذ بها غيرهم .
فقوله : { رَّابِيَةً } مأخوذ من ربا الشئ إذا زاد وتضاعف .
وقال - سبحانه - { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } ولم يقل رسولهم ، للإِشعار بأنهم لم يكتفوا بمعصية الرسول الذى هو بشر مثلهم ، وإنما تجاوزوا ذلك إلى الاستخفاف بما جاءهم به من عند ربهم وخالقهم وموجدهم .
والتعبير بالأخذ ، للإِشعار بسرعة الإِهلاك وشدته ، فإذا وصف هذا الأخذ بالزيادة عن المألوف ، كان المقصود به الزيادة فى الاعتبار والاتعاظ لأن هؤلاء جميعا قد أهلكهم - سبحانه - هلاك الاستئصال ، الذى لم يبق منهم باقية .
وهذا جنس ، أي : كُلّ كذّبَ رسول الله إليهم . كما قال : { كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } [ ق : 14 ] . {[29267]} ومن كذب رسول الله فقد كذب بالجميع ، كما قال : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 105 ] ، { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 123 ] . { كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 141 ] وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ؛ ولهذا قال هاهنا : { فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً } أي : عظيمة شديدة أليمة .
وقوله : فَعَصَوْا رَسُولَ رَبّهِمْ يقول جلّ ثناؤه : فعصى هؤلاء الذين ذكرهم الله ، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم .
وقوله : فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يقول : فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة ، يعني أخذة زائدة شديدة نامية ، من قولهم : أربيت : إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال : أربيتَ فرَبا رِباك ، والفضة والذهب قد رَبَوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : ينا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أخْذَةً رَابِيَةً قال : شديدة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يعني أخذة شديدة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله الله : فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً قال : كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشرّ رابية ، قال : ربا عليهم : زاد عليهم ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ : وَالّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ يقول : ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشرّ .
وقوله تعالى : { فعصوا رسول ربهم } يحتمل أن يكون الرسول : اسم جنس كأنه قال : فعصا هؤلاء الأقوام والفرق أنبياء الله الذين أرسلهم إليهم ، ويحتمل أن يكون الرسول بمعنى : الرسالة ، وقال الكلبي : يعني موسى ، وقال غيره في كتاب الثعلبي : يعني لوطاً والرابية : النامية التي قد عظمت جداً ، ومنه ربا المال ، ومنه الربا ، ومنه اهتزت وربت{[11280]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.