السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً} (10)

ولما كانت الرسل كالفرد الواحد لاتفاقهم وتعاضدهم في الدعاء إلى الله تعالى والحمل على طاعته قال مسبباً عن مجيئهم بذلك موحداً في اللفظ ما هو صالح لكثير بإرادة الجنس : { فعصوا } أي : خالفوا { رسول ربهم } أي : خالفت كل أمة من أرسله المحسن إليها بإبداعها من العدم وإبداعها القوى وترزيقها وبعث رسولها لإرشادها اغتراراً بإحسانه ، ولم يجوزوا أن المحسن يقدر على الضر كما قدر على النفع لأنه الضار كما أنه النافع فللتنبيه على مثل ذلك لا يجوز فصل أحد الاسمين عن الآخر ، وسبب عن العصيان قوله تعالى : { فأخذهم } أي : ربهم ، أخذ قهر وغضب { أخذة } لم تبق من أمة منهم أحداً ممن كذب الرسول فلم يكن كمن ينصر على عدو من المؤمنين لابدّ أن يفوته كثير منهم وإن اجتهد في الطلب ، وما ذاك إلا لتمام علمه سبحانه بالجزئيات والكليات وشمول قدرته وتلك الأخذة مع كونها بهذه العظمة من أنها أخذتهم كنفس واحدة جعلها سبحانه { رابية } أي : عالية عليهم زائدة في الشدة على غيرها وعلى عذاب الأمم ، يقال : ربا الشيء يربو إذا زاد . ومنه : الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى ، والمعنى أنها كانت زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار ، كما أن أفعالهم كانت زائدة في القبح على أفعال سائر الكفار ، وقيل لأن عقوبة آل فرعون متعلقة بعذاب الآخرة لقوله تعالى : { اغرقوا فأدخلوا ناراً } [ نوح : 25 ] وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا فتلك العقوبة كانت كأنها تنمو وتربو .