وقوله - سبحانه - { خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَآءِ الجحيم ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } مقول لقول محذوف ، هذا القول موجه من الله - تعالى - لملائكة العذاب .
وقوله - سبحانه { فاعتلوه } من العتل وهو الأخذ بمجامع الشيء ، وجره بغلظة وقهر .
يقال : عتل فلان فلانا يعتله عتلا ، إذا جذبه جذبا شديدا ، وسار به إلى ما يكره السير إليه .
أي : يقول الله - تعالى - لملائكة العذاب في هذا اليوم العسير : خذوا هذا الكافر الأثيم ، فجروه بغلظة ، وسوقوه بشدة { إلى سَوَآءِ الجحيم } أي : إلى وسطها .
وقوله : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } أي : [ خذوا ] {[26270]} الكافر ، وقد ورد أنه تعالى إذا قال للزبانية { خُذُوهُ } ابتدره سبعون ألفًا منهم .
{ فَاعْتِلُوهُ } أي : سوقوه سحبا ودفعا في ظهره .
قال مجاهد : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } أي : خذوه فادفعوه .
لَيسَ الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أَبَاهُمُ*** حَتَّى تُرَدَّ إلى عَطيَّة تُعْتَلُ{[26271]} {[26272]}
القول في تأويل قوله تعالى : { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىَ سَوَآءِ الْجَحِيمِ * ثُمّ صُبّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ } .
يقول تعالى ذكره : خُذُوهُ يعني هذا الأثيم بربه ، الذي أخبر جلّ ثناؤه أن له شجرة الزقوم طعام فاعْتِلُوهُ يقول تعالى ذكره : فادفعوه وسوقوه ، يقال منه : عتله يعتله عتلاً : إذا ساقه بالدفع والجذب ومنه قول الفرزدق :
لَيْسَ الكِرَامُ بِناحِلِيكَ أبَاهُمُ *** حتى تُرَدّ إلى عَطِيّةَ تُعْتِلُ
وقوله : إلى سَوَاءِ الجَحِيمِ : إلى وسط الجحيم . ومعنى الكلام : يقال يوم القيامة : خذوا هذا الأثيم فسوقوه دفعا في ظهره ، وسحبا إلى وسط النار . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : فاعْتِلُوهُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الجَحِيمِ قال : خذوه فادفعوه .
وفي قوله : فاعْتلُوهُ لغتان : كسر التاء ، وهي قراءة بعض قرّاء أهل المدينة وبعض أهل مكة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا أنهما لغتان معروفتان في العرب ، يقال منه : عتل يعتِل ويعتُل ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إلى سَوَاءِ الجَحِيمِ : إلى وَسَط النار .
وجملة { خذوه } الخ مقول لقول محذوف دلّ عليه السياق ، أي يقال لملائكة العذاب : خذوه ، والضمير المفرد عائد إلى الأثيم باعتبار آحاد جنسه .
والعَتْلُ : القوْد بعنف وهو أن يؤخذ بتلبيب أحد فيقاد إلى سجن أو عذاب ، وماضيه جاء بضم العين وكسرها .
وقرأه بالضم نافع وابن كثير وابن عامر . وقرأه الباقون بكسر التاء .
وسَواء الشيء : وسطه وهو أشد المكان حرارة .
وقوله : { إلى سواء الجحيم } يتنازعه في التعلق كلٌّ من فعلي { خذوه فاعتلوه } لتضمنهما : سوقوه سوقاً عنيفاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول الله عز وجل للخزنة: {خذوه} يعني أبا جهل.
{إلى سواء الجحيم} يعني وسط الجحيم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"خُذُوهُ" يعني هذا الأثيم بربه، الذي أخبر جلّ ثناؤه أن له شجرة الزقوم طعام. "فاعْتِلُوهُ": فادفعوه وسوقوه، يقال منه: عتله يعتله عتلاً: إذا ساقه بالدفع والجذب.
ومعنى الكلام: يقال يوم القيامة: خذوا هذا الأثيم فسوقوه دفعا في ظهره، وسحبا إلى وسط النار...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} فيه خمسة أوجه:... الرابع: فاقصفوه كما يقصف الحطب، حكاه الأعمش. الخامس: فردوه بالعنف، قاله ابن قتيبة.
{إلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ} فيه وجهان: الثاني: معظم الجحيم يصيبه الحر من جوانبها، قاله الحسن...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان كأنه قيل: ما للأثيم يأكل هذا الطعام، وما الحامل له عليه وعلى مقاربة مكانه، أجيب بأنه مقهور عليه، يقتضيه صفة العزة فيه الرحمة لإعادته بأن يقال للزبانية: {خذوه} أي أخذ قهر فلا تدعوه يملك من أمره شيئاً {فاعتلوه} أي جروه بقهر بغلظة وعنف وسرعة إلى العذاب والإهانة بحيث يكون كأنه محمول.
وقراءة الضم أدل على تناهي الغلظة والشدة من قراءة الكسر {إلى سواء الجحيم} أي النار التي في غاية الاضطرام والتوقد، وهي موضع خروج الشجرة التي هي طعامه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذا هو الأمر العالي يصدر إلى الزبانية ليأخذوه في عنف يليق بمقامه (الكريم!): (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم).. خذوه أخذاً واعتلوه عتلاً، وشدوه في إهانة وجفوة فلا كرامة ولا هوادة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {خذوه} الخ مقول لقول محذوف دلّ عليه السياق، أي يقال لملائكة العذاب: خذوه، والضمير المفرد عائد إلى الأثيم باعتبار آحاد جنسه.
وسَواء الشيء: وسطه وهو أشد المكان حرارة.
{إلى سواء الجحيم} يتنازعه في التعلق كلٌّ من فعلي {خذوه فاعتلوه} لتضمنهما: سوقوه سوقاً عنيفاً.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«فاعتلوه» من مادة العَتْل، وهي الأخذ والسحب والإلقاء. وهو ما يفعله حماة القانون والشرطة مع المجرمين المتمردين، الذي لا يخضعون لأي قانون ولا يطبقونه.
«سواء» بمعنى الوسط؛ لأنّ المسافة إلى جميع الأطراف متساوية، وأخذ أمثال هؤلاء الأشخاص وإلقاؤهم في وسط جهنم باعتبار أنّ الحرارة أقوى ما تكون في الوسط، والنّار تحيط بهم من كلّ جانب.