[ وقوله : ] { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } أي : في امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما ، فإن طاعة الله وطاعة رسوله ، مدار السعادة ، وعنوان الفلاح ، { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ } [ أي ] عن طاعة الله وطاعة رسوله ، { فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } أي : يبلغكم ما أرسل به إليكم ، بلاغًا يبين لكم ويتضح وتقوم{[1124]} عليكم به الحجة ، وليس بيده من هدايتكم ، ولا من حسابكم من شيء ، وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله ، أو عدم ذلك ، عالم الغيب والشهادة .
ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة بحض الناس على الطاعة والإخلاص فى العبادة ، وحذرهم من اقتراف المعاصى فقال : { وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين } .
أى : وعليكم - أيها الناس - أن تطيعوا الله - تعالى - طاعة تامة ، وأن تطيعوا رسوله فى كل ما يأمركم به أو ينهاكم عنه .
فإن أعرضتم عن ذلك ، وانصرفتم عما أمرناكم به أو نهيناكم عنه فلا ضرر على رسولنا بسبب إعراضكم لأن حسابكم وجزاءكم علينا يوم القيامة ، وليس على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة لكم سوى البلاغ الواضح البين ، بحيث لا يترك باباً من أبواب الخير إلا ويبينه لكم ، ولا يترك باباً من أبواب الشر إلا وحذركم منه .
وقوله : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } أمرٌ بطاعة الله ورسوله فيما شرع ، وفعل ما به أمر وترك ما عنه نهى{[28925]} وزجر ، ثم قال : { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } أي : إن نكلتم عن العمل فإنما عليه ما حُمِّل من البلاغ ، وعليكم ما حُمِّلْتم من السمع والطاعة .
قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم{[28926]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ فَإِن تَولّيْتُمْ فَإِنّمَا عَلَىَ رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * اللّهُ لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وأطيعُوا اللّهَ أيها الناس في أمره ونهيه وأطيعُوا الرّسُولَ صلى الله عليه وسلم فإن توليتم فإن أدبرتم عن طاعة الله وطاعة رسوله مستكبرين عنها ، فلم تطيعوا الله ولا رسوله فإنما فليسَ على رسولنا محمد إلاّ البلاغُ المبينُ أنه بلاغ إليكم لما أرسلته به يقول جلّ ثناؤه : فقد أعذر إليكم بالإبلاغ والله وليّ الانتقام ممن عصاه ، وخالف أمره ، وتولى عنه اللّهُ لا إلَهَ إلا هو يقول جلّ ثناؤه : معبودكم أيها الناس معبود واحد لا تصلح العبادة لغيره ولا معبود لكم سواه .
وَعَلى الله فَلْيَتَوَكّل المُوءْمِنُون يقول تعالى ذكره : وعلى الله أيها الناس فليتوكل المصدّقون بوحدانيته .
عطف على جملة { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [ التغابن : 11 ] لأنها تضمنت أن المؤمنين متهيئون لطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما يدعوانهم إليه من صالح الأعمال كما يدل عليه تذييل الكلام بقوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } [ آل عمران : 122 ] ، ولأن طلب الطاعة فرع عن تحقق الإِيمان كما في حديث معاذ « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فأولُ ما تدعوهم إليه فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة » الحديث .
وتفريع { فإن توليتم } تحذير من عصيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
والتولي مستعار للعصيان وعدم قبول دعوة الرسول .
وحقيقة التولّي الانصراف عن المكان المستقر فيه واستعير التولي للعصيان تشنيعاً له مبالغة في التحذير منه ، ومثله قوله تعالى في خطاب المؤمنين { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم } [ محمد : 38 ] ، وقال : { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون } [ الأنفال : 20 ] .
والتعريف في قوله : { رسولنا } بالإِضافة لقصد تعظيم شأنه بأنه صلى الله عليه وسلم رسول ربّ العالمين . وهذا الضمير التفات من الغيبة إلى التكلم يفيد تشريف الرسول بعزّ الإضافة إلى المتكلم .
ومعنى الحَصْر قوله : { فإنما على رسولنا البلاغ المبين } قصر الرسول صلى الله عليه وسلم على كون واجبه البلاغ ، قصرَ موصوف على صفةِ فالرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على لزوم البلاغ له لا يعدُو ذلك إلى لزوم شيء آخر . وهو قصر قلب تنزيلاً لهم في حالة العصيان المفروض منزلة من يعتقد أن الله لو شاء لألجأهم إلى العمل بما أمرهم به إلهاباً لنفوسهم بالحث على الطاعة .
ووصف البلاغ ب { المبين } ، أي الواضح عُذر للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ادعى ما أمر به على الوجه الأكمل قطعاً للمعذر عن عدم امتثال ما أمر به .
وباعتبار مفهوم القصر جملة { فإنما على رسولنا البلاغ المبين } كانت جواباً للشرط دون حاجة إلى تقدير جواب تكون هذه الجملة دليلاً عليه أو علة له .