نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (12)

ولما كان التقدير : فاصبروا عند هجوم المصائب ، عطف عليه قوله تحذيراً من أن يشتغل بها فتوقع في الهلاك وتقطع عن أسباب النجاة دالاً على تعلم أمور الدين من معاداتها{[65819]} مشيراً إلى أن العبادة لا تقبل إلا بالاتباع لا بالابتداع : { وأطيعوا الله } أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله فافعلوا في كل مصيبة ونائبة تنوبكم وقضية تعروكم ما شرعه لكم ، وأكد بإعادة العامل إشارة إلى أن الوقوف عند الحدود ولا سيما عند المصائب في غاية الصعوبة فقال : { وأطيعوا الرسول } أي الكامل في الرسلية - صلى الله عليه وسلم - فإنه المعصوم بما{[65820]} خلق فيه من الاعتدال و{[65821]}ما زكى{[65822]} به من{[65823]} شق البطن وغسل القلب مراراً ، وما {[65824]}أيد به{[65825]} من الوحي ، فما كانت الأفعال بإشارة العقل مع الطاعة لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم في كل إقدام وإحجام كانت معتدلة ، سواء كانت شهوانية أو غضبية ، ومتى لم تكن كذلك كانت منحرفة إلى أعلى وإلى أسفل فكانت{[65826]} مذمومة ، فإن الله تعالى بلطف تدبيره ركب في الإنسان قوة غضبية دافعة لما يهلكه ويؤذيه ، وقوة شهوانية جالبة لما ينميه ويقويه ، فاعتدال الغضبية شجاعة ونقصها جبن{[65827]} وزيادتها{[65828]} تهور ، فالناس باعتبارها جبان وشجاع ومتهور ، واعتدال الشهوانية عفة ونقصانها زهادة وزيادتها{[65829]} شره ، والناس باعتبارها زهيد وعفيف وشره ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، وميزان العدل متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شرعه ، فبذلك تنزاح الفتن الظاهرة والباطنة ، ولا طريق إلى الله إلا بما شرعه ، وكل طريق لم يشرعه ضلال من الكفر إلى ما دونه ، ثم سبب عن{[65830]} أمره ذلك قوله معبراً بأداة الشك إشارة إلى البشارة بحفظ هذه الأمة من الردة ومشعراً{[65831]} بأن بعضهم يقع منه ذلك ثم يقرب رجوعه أو هلاكه : { فإن توليتم } أي كلفتم أنفسكم عندما تدعو إليه الفطرة الأولى من الإعراض عن هذا النور الأعظم والميل إلى طرف من الأطراف المفهومة من طرفي{[65832]} القصد فما على رسولنا شيء من توليكم { فإنما على رسولنا } أضافه إليه على وجه العظمة تعظيماً له وتهديداً لمن يتولى عنه{[65833]} { البلاغ المبين * } أي الظاهر في نفسه المظهر لكل أحد أنه أوضح له غاية الإيضاع ولم يدع لبساً ، ليس إليه خلق الهداية في القلوب .


[65819]:- زيد من ظ.
[65820]:- من م، وفي الأصل وظ: مما.
[65821]:- زيد من ظ وم.
[65822]:- من ظ وم، وفي الأصل: ربي.
[65823]:- من ظ وم، وفي الأصل: عن.
[65824]:- من ظ وم، وفي الأصل: أريد.
[65825]:- من ظ وم، وفي الأصل: أريد.
[65826]:- من ظ وم، وفي الأصل: كانت.
[65827]:- من ظ وم، وفي الأصل: خير.
[65828]:- من م، وفي الأصل وظ: زياداتها.
[65829]:- من ظ وم، وفي الأصل: زيادة.
[65830]:- من م، وفي الأصل وظ: على.
[65831]:- من ظ وم، وفي الأصل: مستعرا.
[65832]:- من ظ وم، وفي الأصل: أطراف.
[65833]:- من ظ وم، وفي الأصل وظ: عليه.