{ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } أي : يظنون من السخط العظيم ، والمقت الكبير ، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك .
{ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } أي : الأمور التي تسوؤهم ، بسبب صنيعهم وكسبهم . { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم ، وما حل عليهم العقاب .
ثم هددهم - سبحانه - بتهديد آخر فقال : { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } .
أى : وظهر لهم يوم القيامة من ألوان العقوبات ، ومن فنون الآلام ، ما لم يكونوا فى الدنيا يظنون أنه سيقع بهم ، وما لم يكن واردا فى حسبانهم .
قال صاحب الكشاف : وقوله - تعالى - { وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله . . . } وعيد لهم بعذاب مادروا كنهه لفظاعته وشدته ، وهو نظير قوله - تعالى - فى الوعد : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ . . } والمعنى : وظهر من سخط الله وعذابه ، ما لم يكن قط فى حسابهم ، وما لم يحدثوا به أنفسهم .
وقيل : عملوا أعمالا حسبوها حسنات ، فإذا هى سيئات .
وعن سفيان الثورى أنه قرأها فقال : ويل . لأهل الرياء . ويل لأهل الرياء .
وجزع بعض الصالحين عند موته ، فسئل عن سبب ذلك فقال : أخشى أن يبدو لى من الله ما لم أحتسبه ، ثم قرأ هذه الآية .
ثم تهديد ثالث يتمثل فى قوله - تعالى - : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } .
والمراد بسيئات ما كسبوا : الأعمال السيئة التى اكتسبوها فى دنياهم ، وهذا البدو والظهور يكون عند عرض صحائف أعمالهم عليهم . و " ما " موصولة أو مصدرية .
أى : وظهر لهم عند عرض صحائف أعمالهم عليهم يوم القيامة ، الذى عملوه واكتسبوه فى الدنيا من رذائل { وَحَاقَ بِهِم } أى : وأحاط ونزل بهم العذاب الذى كانوا يستهزئون به فى حياتهم ويتهكمون بمن كان يحذرهم منه فى الدنيا .
وبعد هذا التصوير الرهيب لمصير هؤلاء المشركين يوم القيامة ، عادت السورة إلى بيان تناقضهم مع أنفسهم ، فهم إن سئلوا عمن خلق السموات والأرض ، قالوا : إن خالقهما هو الله ، ومع ذلك يعبدون غيره وتشمئز قلوبهم عند ذكره وحده .
وهم يتقربون إلى آلهتهم بالطاعات ، ومع ذلك فهم عند نزول الشدائد بهم ، ينسون تلك الآلهة ويتجهون إلى الله - تعالى - وحده بالدعاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وظهر لهؤلاء المشركين يوم القيامة سَيّئاتُ ما كَسَبُوا من الأعمال في الدنيا ، إذ أعطوا كتبهم بشمائلهم وَحاقَ بِهِمْ ما كانوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ووجب عليهم حينئذ ، فلزمهم عذاب الله الذي كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا يعدهم على كفرهم بربهم ، فكانوا به يسخرون ، إنكارا أن يصيبهم ذلك ، أو ينالهم تكذيبا منهم به ، وأحاط ذلك بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.