{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا } بإعراضك عنها { وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } أي : تترك في العذاب ، فأجيب ، بأن هذا هو عين عملك ، والجزاء من جنس العمل ، فكما عميت عن ذكر ربك ، وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه ، أعمى الله بصرك في الآخرة ، فحشرت إلى النار أعمى ، أصم ، أبكم ، وأعرض عنك ، ونسيك في العذاب .
{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } أي : لما أعرضت عن آيات الله ، وعامَلْتها معاملة من لم يذكرها ، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها ، كذلك نعاملك [ اليوم ]{[19548]} معاملة من ينساك{[19549]} { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } [ الأعراف : 51 ] فإن الجزاء من جنس العمل ، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه ، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص ، وإن كان مُتَوَعدًا عليه من جهة أخرى ، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد ، والوعيد الشديد في ذلك ، قال الإمام أحمد :
حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا خالد ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، عن رجل ، عن سعد بن عبادة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من رجل قرأ القرآن فنسيه ، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم " {[19550]} .
ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء{[19551]} .
وقوله : " قالَ كَذَلكَ أتَتْكَ آياتنا فَنَسِيتَها " يقول تعالى ذكره ، قال الله حينئذٍ للقائل له : " لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا " : فعلت ذلك بك ، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتي ، وهي حججه وأدلته وبيانه الذي بيّنه في كتابه ، فنسيتها : يقول : فتركتها وأعرضت عنها ، ولم تؤمن بها ، ولم تعمل . وعنى بقوله كَذَلكَ أتَتْك هكذا أتتكَ .
وقوله : " وكذلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " يقول : فكما نسيت آياتنا في الدنيا ، فتركتها وأعرضت عنها ، فكذلك اليوم ننساك ، فنتركك في النار .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله " وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " فقال بعضهم بمثل الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال ، حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : " وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " قال : في النار .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " كَذَلكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها " قال : فتركتها وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى وكذلك اليوم تترك في النار .
حدثني بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قالَ " كَذَلكَ أتَتَكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " قال : نسي من الخير ، ولم ينس من الشرّ .
وهذا القول الذي قاله قَتادة قريب المعنى مما قاله أبو صالح ومجاهد ، لأن تركه إياهم في النار أعظم الشرّ لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.