الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ} (126)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره، قال الله حينئذٍ للقائل له:"لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا" : فعلت ذلك بك، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتي، وهي حججه وأدلته وبيانه الذي بيّنه في كتابه، "فنسيتها": يقول: فتركتها وأعرضت عنها، ولم تؤمن بها، ولم تعمل. وعنى بقوله "كَذَلكَ أتَتْك": هكذا أتتكَ...

"وكذلكَ اليَوْمَ تُنْسَى "يقول: فكما نسيت آياتنا في الدنيا، فتركتها وأعرضت عنها، فكذلك اليوم ننساك، فنتركك في النار..

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي كما أتتك آياتنا، فصيرتها كالشيء المنسي عن رحمته؛ لم تكترث إليها، ولم تنظر فيها، ولم ترغب فيها، كذلك تصير في النار كالشيء المنسي عن رحمته لا يكترث إليك، ولا ينظر إليك. أو يقول: كما ضيعت آياتنا التي أتتك لنجاتك كذلك تضيع أنت، وتترك في النار، لا نجاة لك.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كذلك} أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة، فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر، وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{كذلك أتتك} ذلك إشارة إلى العمى الذي حل به، أي مثل هذا في الدنيا أن {أتتك آياتنا فنسيتها} والنسيان في هذه الآية بمعنى الترك ولا مدخل للذهول في هذا الموضوع، و {تنسى} بمعنى تترك في العذاب.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعامَلْتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} [الأعراف: 51] فإن الجزاء من جنس العمل، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص، وإن كان مُتَوَعدًا عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عيسى بن فائد، عن رجل، عن سعد بن عبادة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم".

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: بم أجيب؟ فقيل: {قال} له ربه: {كذلك} أي مثل هذا الفعل الشنيع فعلت في الدنيا، والمعنى: مثل ما قلت كان؛ ثم فسر على الأول، وعلل على الثاني، فقال: {أتتك آياتنا} على عظمتها التي هي من عظمتنا {فنسيتها} أي فعاملتها بإعراضك عنها معامله المنسي الذي لا يبصره صاحبه، فقد جعلت نفسك أعمى البصر والبصيرة عنها، كما قال تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} [الكهف: 101] {وكذلك} أي ومثل ذلك النسيان الفظيع، وقدم الظرف ليسد سوقه للمظروف ويعظم اختباره لفهمه فقال: {اليوم تنسى} أي تترك على ما أنت عليه بالعمى والشقاء بالنار، فتكون كالشيء الذي لا يبصره أحد ولا يلتفت إليه.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أي: نعاملك كما عاملتنا، فننساك كما نسيت آياتنا. والآيات جمع آية، وهي الأمر العجيب، وتطلق على الآيات الكونية التي تلفت إلى المكون سبحانه، وتطلق على المعجزات التي تؤيد الرسل، وتثبت صدق بلاغهم عن الله، وإن كانت الآيات الكونية تلفت إلى قدرة الخالق – عز وجل – وحكمته، فالرسول هو الذي يدل الناس على هذه القوة، وعلى صاحب هذه الحكمة والقدرة التي يبحث عنها العقل. أيها المؤمن هذه القوة هي الله، والله يريد منك كذا وكذا، فإن أطعته فلك من الأجر كذا وكذا، وإن عصيته فعقابك كذا وكذا. ثم يؤيد الرسول بالمعجزات التي تدل على صدقه في البلاغ عن ربه. وتطلق الآيات على آيات الكتاب الحاملة للأحكام وللمنهج. وأنت كذبت بكل هذه الآيات ولم تلتفت إليها، فلما نسيت آيات الله كان جزاءك النسيان جزاء وفاقا. والنسيان هنا يعني الترك، وإلا فالنسيان الذي يقابله الذكر معفى عنه ومعذور صاحبه.