{ فاليوم } يعني في الآخرة ، { الذين آمنوا من الكفار يضحكون } قال أبو صالح : وذلك أنه يفتح للكفار في النار أبوابها ، ويقال لهم : اخرجوا ، فإذا رأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا ، والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ، يفعل بهم ذلك مراراً والمؤمنون يضحكون . وقال كعب : بين الجنة والنار كوىً ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو له ، كان في الدنيا ، اطلع عليه من تلك الكوى ، كما قال : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم }( الصافات- 55 ) ، فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا ، فذلك قوله عز وجل : { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } .
ثم ببشر الله - تعالى - المؤمنين بما سيكونون عليه يوم القيامة من نعيم فقال : { فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ . عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ }
والفاء فى قوله { فاليوم } للسببية ، والمراد باليوم : يوم الجزاء والحساب .
أى : فبسبب استهزاء الذين أجرموا من المؤمنين فى الدنيا ، كافأ الله - تعالى - المؤمنين على صبرهم ، بأن جعلهم يوم القيامة يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين ، كما كان الكفار يضحكون من المؤمنين فى الدنيا .
فالمقصود من الآية الكريمة تسلرية المؤمنين ، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب . . وأنهم - أى : المؤمنين - سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش ، وأنهم لا ينظرون إلا إلى ما يسرهم ويبهج نفوسهم .
وينهي بهذه السخرية العالية حكاية ما كان من الذين أجرموا في الدنيا . . ما كان . . ويطوي هذا المشهد الذي انتهى . ليعرض المشهد الحاضر والذين آمنوا في ذلك النعيم :
( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون . على الأرائك ينظرون ) . .
اليوم والكفار محجوبون عن ربهم ، يقاسون ألم هذا الحجاب الذي تهدر معه إنسانيتهم ، فيصلون الجحيم ، مع الترذيل والتأنيب حين يقال : ( هذا الذي كنتم به تكذبون ) . .
اليوم والذين آمنوا على الأرائك ينظرون . في ذلك النعيم المقيم ، وهم يتناولون الرحيق المختوم بالمسك الممزوج بالتسنيم . .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله تعالى ذكره:"فالْيَوْمَ "وذلك يوم القيامة "الّذِينَ آمَنُوا" بالله في الدنيا "مِنَ الكُفّارِ" فيها "يَضْحَكُونَ على الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ" يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم، وهم في الجنة، والكفار في النار يُعَذّبون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ويكون ضحكهم على المجازاة للكفرة بما كانوا يضحكون منهم في الدنيا...
(أحدها): أن الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا بسبب ما هم فيه من الضر والبؤس، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكافرين بسبب ما هم فيه من أنواع العذاب والبلاء، ولأنهم علموا أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء، وأنهم قد باعوا باقيا بفان ويرون أنفسهم قد فازوا بالنعيم المقيم ونالوا بالتعب اليسير راحة الأبد، ودخلوا الجنة فأجلسوا على الأرائك ينظرون إليهم كيف يعذبون في النار وكيف يصطرخون فيها ويدعون بالويل والثبور ويلعن بعضهم بعضا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
اليوم والكفار محجوبون عن ربهم، يقاسون ألم هذا الحجاب الذي تهدر معه إنسانيتهم، فيصلون الجحيم، مع الترذيل والتأنيب حين يقال: (هذا الذي كنتم به تكذبون).. اليوم والذين آمنوا على الأرائك ينظرون. في ذلك النعيم المقيم، وهم يتناولون الرحيق المختوم بالمسك الممزوج بالتسنيم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأفادت فاء السّببيّة في قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون}، أن استهزاءهم بالمؤمنين في الدنيا كان سبباً في جزائهم بما هو من نوعه في الآخرة إذ جعل الله الذين آمنوا يضحكون من المشركين فكان جزاء وفاقاً. وتقديم « اليوم» على {يضحكون} للاهتمام به لأنه يوم الجزاء العظيم الأبدي... والتقدير: يقال لهم: اليومَ الذين آمنوا يضحكون منكم. وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله: {الذين آمنوا من الكفار يضحكون} دون أن يقال: فاليوم يضحك الذين آمنوا، لإِفادة الحصر وهو قصر إضافي في مقابلة قوله: {كانوا من الذين آمنوا يضحكون} أي زال استهزاء المشركين بالمؤمنين فاليومَ المؤمنون يضحكون من الكفار دون العكس. وتقديم {من الكفار} على متعلَّقه وهو {يضحكون} للاهتمام بالمضحوك منهم تعجيلاً لإِساءتهم عند سماع هذا التقريع. وقوله: {من الكفار} إظهار في مقام الإِضمار، عُدل عن أن يقال: منهم يضحكون، لما في الوصف المظهر من الذم للكفار...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَالْيَوْمَ} يوم القيامة الذي يقف فيه كل إنسانٍ في موقعه الطبيعي، في ما يستحقه من ثوابٍ وعقاب، وهو يوم العدل الذي يأخذ فيه المظلوم حقه من ظالمه، {الَّذِينَ آمَنُواْ} وهم منفتحون على الله متقلبون في نعيمه، سعيدون برحمته ورضاه، شاربون للرحيق المختوم بالمسك الممتزج بالتسنيم {مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} لأنهم استغرقوا في العاجلة وتركوا الآجلة، فها هم محجوبون عن ربهم، محترقون بنار الجحيم، خاضعون لكل أساليب الإهانة والتأنيب، فأيّة سخريةٍ أكثر لذعاً من هذه السخرية التي قد لا يحتاج الناس إلى إثارتها لتثير الضحك، ولكن الواقع يشير إلى نفسه في عملية ضحكٍ على المصير...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.