{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ } كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك أنفسهم ، ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم أن أسبابهم التي أملوها تقطعت ، وأنه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم . { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ } تحصل به هدايته ، فهؤلاء ضلوا حين زعموا في شركائهم النفع ودفع الضر ، فتبين حينئذ ضلالهم .
{ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله وَمَن يُضْلِلِ الله . . } أى : لم يكن هلؤلاء الظالمين من نصراء أو شفعاء يحولون بينهم وبين العذاب الذى أعده - سبحانه - لهم بسبب ظلمهم وكفرهم .
{ وَمَن يُضْلِلِ الله } أى : ومن يضله الله - تعالى - عن طريق الهداية والرشاد { فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } أى فما له من طريق إلى الهدى أو النجاة .
{ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله } .
عطف على جملة { ألا إن الظالمين في عذاب مقيم } [ الشورى : 45 ] أي هم في عذاب دائم لا يجدون منه نصيراً . وهو رد لمزاعمهم أن آلهتهم تنفعهم عند الله .
وجملة { ينصرونهم } صفة ل { أولياء } للدلالة على أن المراد هنا ولاية خاصة ، وهي ولاية النصر ، كما كان قوله سابِقاً { ومن يضلل الله فما له من وليّ من بعده } [ الشورى : 44 ] مراداً به ولاية الإرشاد .
و { مِن } زائدة في النفي لتأكيد نفي الولي لهم . وقوله : { من دون الله } صفة ثانية ل { أولياء } وهي صفة كاشفة . و { من } زائدة لتأكيد تعلق ظرف { دُون } بالفعل .
{ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سبيل } .
تذييل لجملة { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم } ، وتقدم آنفاً الكلام على نظيره وهو { من يضلل الله فما له من وليّ من بعده .
و{ سبيل } نكرةُ في سياق النفي فيعم كل سبيل مخلص من الضلال ومن آثاره والمقصود هنا ابتداءً هو سبيل الفرار من العذاب المقيم كما يقتضيه السياق . وبذلك لم يكن ما هنا تأكيداً لما تقدم من قوله : { ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله}: وما كان لهم من أقرباء يمنعونهم من الله.
{ومن يضلل الله} عن الهدى، {فما له من سبيل} إلى الهدى...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ولم يكن لهؤلاء الكافرين حين يعذّبهم الله يوم القيامة أولياء يمنعونهم من عذاب الله ولا ينتصرون لهم من ربهم على ما نالهم به من العذاب من دون الله.
"وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ": ومن يخذله عن طريق الحقّ فما له من طريق إلى الوصول إليه؛ لأن الهداية والإضلال بيده دون كلّ أحد سواه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وما كان لهم من أولياء ينصرون من دون الله} يُخرّج على وجهين:
أحدهما: أي ما كان للأصنام التي عبدوها دون الله تعالى ولاية النصر لهم وقدرة دفع العذاب عنهم؛ لأنهم كانوا يعبدونها في الدنيا رجاء أن تشفع لهم في الآخرة، وأن تُزلفهم.
والثاني: {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله} أي ما كان للرؤساء الذين اتخذوهم في الدنيا أربابا ولاية النصر لهم؛ لأنهم لا يملكون دفع ذلك عن أنفسهم، فكيف يملكون دفع ما نزل بأتباعهم؟
{ومن يُضلل الله فما له من سبيل} يحتمل قوله: {فما له من سبيل} أي من حجة، أي من أضلّه الله فلا حجة له أن يقول: إنك أضللتني؛ لأنه إنما يُضله لما يختاره،
ويحتمل: من أضلّه الله تعالى فما له إلى الهدى من سبيل، أي ليس له سبيل. ولكن عليه السبيل، أي لا يملك أحد إرشاده.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إن الذين أضلَّهم اللّهُ، وأعمى أبصارَهم وبصائرَهم، وأوقعهم في كدِّ عقوبتهم، وحَرَمَهم بَرْدَ الرضا لحكْم ربِّهم ليس لهم وليٌّ من دون الله، ولا مانعَ لهم من عذابه. وتراهم إذا رأوا العذابَ يَطلبون منه النجاة فلا ينالونها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت العادة جارية بأن من وقع في ورطة وجد في الأغلب ولياً ينصره أو سبيلاً ينجيه، قال عاطفاً على {وتراهم} أو "ألا إن ": {وما كان} أي صح ووجد {لهم} وأعرق في النفي فقال: {من أولياء} فما لهم من ولي لأن النصرة إذا انتفت من الجمع انتفت من الواحد من باب الأولى.
ولما كان من يفعل فعل القريب لا يفيد إلا إن كان قادراً على النصرة قال: {ينصرونهم} أي يوجدون نصرهم في وقت من الأوقات لا في الدنيا بأن يقدروا على إنقاذهم من وصف الظلم ولا في الآخرة بإنقاذهم مما جرى عليهم من العذاب. ولما كان الله تعالى يصح منه أن يفعل ما يشاء بواسطة أو غيرها قال: {من دون الله} أي ما صح ذلك وما استقام بوجه بغيره، وأما هو فيصح ذلك منه ويستقيم له لإحاطته بأوصاف الكمال، ولو أراد لفعل، ولما بين ما لهم بين ما لمن اتصف بوصفهم كائناً من كان، فقال بناء على نحو: لأنه هو الذي أضلهم: {ومن يضلل الله} أي يوجد ضلاله إيجاداً بليغاً بما أفاده الفك على سبيل الاستمرار بعدم البيان له أو بعدم التوفيق بعد البيان: {فما له} بسبب إضلال من له جميع صفات الجلال والإكرام، وأعرق في النفي بقوله: {من سبيل} أي تنجية من الضلال ولا مما تسبب عنه من العذب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {ينصرونهم} صفة ل {أولياء} للدلالة على أن المراد هنا ولاية خاصة، وهي ولاية النصر كما كان قوله سابِقاً {ومن يضلل الله فما له من وليّ من بعده} [الشورى: 44] مراداً به ولاية الإرشاد.
و {مِن} زائدة في النفي لتأكيد نفي الولي لهم. وقوله: {من دون الله} صفة ثانية ل {أولياء} وهي صفة كاشفة. و {من} زائدة لتأكيد تعلق ظرف {دُون} بالفعل.
{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سبيل} تذييل لجملة {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم}، وتقدم آنفاً الكلام على نظيره وهو {من يضلل الله فما له من وليّ من بعده.
و {سبيل} نكرةُ في سياق النفي فيعم كل سبيل مخلص من الضلال ومن آثاره والمقصود هنا ابتداءً هو سبيل الفرار من العذاب المقيم كما يقتضيه السياق. وبذلك لم يكن ما هنا تأكيداً لما تقدم من قوله: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فهؤلاء قطعوا أواصر ارتباطهم بالعباد المخلصين والأنبياء والأولياء، لذلك لا يملكون ناصراً أو معيناً في ذلك اليوم، والقوى المادية سينتهي مفعولها في ذلك اليوم أيضاً، ولهذا السبب سيواجهون العذاب الإلهي بمفردهم.
ولتأكيد هذا المعنى تقول الآية في نهايتها: (ومن يضلل الله فماله من سبيل).
وفي الآيات السابقة قرأنا: (ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده).
فهناك تنفي الولي، وهنا تنفي السبيل، حيث إنّه ولأجل الوصول إلى الهدف، يجب أن يكون هناك طريق، ويجب أن يتوفّر الدليل، إلاّ أن هؤلاء الضالين محرومون من هذا وذاك.