{ والرجز فاهجر } قرأ أبو جعفر ، وحفص عن عاصم ويعقوب : { والرجز } بضم الراء ، وقرأ الآخرون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد . قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، وابن زيد ، وأبو سلمة : المراد بالرجز الأوثان ، قال : فاهجرها ولا تقربها . وقيل : الزاي فيه منقلبة عن السين ، والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجهما ، ودليل هذا التأويل قوله : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان }( الحج- 30 ) . وروي عن ابن عباس أن معناه : اترك المآثم . وقال أبو العالية والربيع : { الرجز } بضم الراء : الصنم ، وبالكسر : النجاسة والمعصية . وقال الضحاك : يعني الشرك . وقال الكلبي : يعني العذاب . ومجاز الآية : اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال .
{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } يحتمل أن المراد بالرجز الأصنام والأوثان ، التي عبدت مع الله ، فأمره بتركها ، والبراءة منها ومما نسب إليها من قول أو عمل . ويحتمل أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله ، فيكون أمرا له بترك الذنوب ، صغيرها وكبيرها{[1275]} ، ظاهرها وباطنها ، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه .
ثم أمره - سبحانه - بأمر رابع فقال : { والرجز فاهجر } والأصل فى كلمة الرجز أنها تطلق على العذاب ، قال - تعالى - : { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } والمراد به هنا : الأصنام والأوثان ، أو المعاصى والمآثم التى يؤدى اقترافها إلى العذاب . أى : ودوام - أيها الرسول الكريم - على ما أنت عليه من ترك عبادة الأصنام والأوثان ، ومن هجر المعاصى والآثام .
فالمقصود بهجر الرجز : المداومة على هجره وتركه ، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتبس بشئ من ذلك .
ويوجهه إلى هجران الشرك وموجبات العذاب : ( والرجز فاهجر ) . . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كان هاجرا للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة . فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف ، وهذا الركام من المعتقدات الشائهة ، وذلك الرجس من الأخلاق والعادات ، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية . ولكن هذا التوجيه يعني المفاصلة وإعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هوادة . فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان . كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز - والرجز في الأصل هو العذاب ، ثم أصبح يطلق على موجبات العذاب - تحرز التطهر من مس هذا الدنس !
وقرأ جمهور الناس «والرِّجز » بكسر الراء ، وقرأ حفص عن عاصم والحسن ومجاهد وأبو جعفر وشيبة وأبو عبد الرحمن والنخعي وابن وثاب وقتادة وابن أبي إسحاق والأعرج : و «الرُّجز » بضم الراء . فقيل هما بمعنى يراد بهما الأصنام والأوثان ، وقيل هما لمعنيين الكسر للنتن والتقابض وفجور الكفار والضم لصنمين : «إساف ونائلة » ، قاله قتادة . وقيل للأصنام عموماً ، قاله مجاهد وعكرمة والزهري . وقال ابن عباس { الرجز } السخط ، فالمعنى اهجر ما يؤدي إليه ويوجبه ، وقال الحسن : كل معصية رجز ، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية بالأوثان{[11412]} .
{ الرجز } : يقال بكسر الراء وضمها وهما لغتان فيه والمعنى واحد عند جمهور أهل اللغة . وقال أبو العالية والربيع والكسائي : الرّجز بالكسر العذاب والنجاسة والمعصية ، وبالضم الوثن . ويحمل الرجز هنا على ما يشمل الأوثان وغيرها من أكل الميتة والدم .
وتقديم { الرجز } على فعل ( اهجر ) للاهتمام في مهيع الأمر بتركه .
والقول في { والرجز فاهجر } كالقول في { وربّك فكبّر .
والهجر : ترك المخالطة وعدم الاقتراب من الشيء . والهجر هنا كناية عن ترك التلبس بالأحوال الخاصة بأنواع الرجز لكل نوع بما يناسبه في عرف الناس .
والأمر بهجر الرجز يستلزم أن لا يعبد الأصنام وأن ينفي عنها الإلهية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَالرّجْزَ فاهْجُرْ" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛
فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة: «والرِّجْز» بكسر الراء، وقرأه بعض المكيين والمدنيين « والرُّجْزَ» بضم الراء، فمن ضمّ الراء وجهه إلى الأوثان، وقال: معنى الكلام: والأوثان فاهجر عبادتها، واترك خدمتها. ومن كسر الراء وجّهه إلى العذاب، وقال: معناه: والعذاب فاهجر، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
واختلف أهل التأويل في معنى الرّجْزَ في هذا الموضع؛
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والمعصية والإثم فاهجر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالرجز اسم للمأثم، واسم لما يعذب عليه، فيكون منصرفا إلى ما تتأذى به النفس، وتتألم به.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويوجهه إلى هجران الشرك وموجبات العذاب: (والرجز فاهجر).. والرسول [صلى الله عليه وسلم] كان هاجرا للشرك ولموجبات العذاب حتى قبل النبوة. فقد عافت فطرته السليمة ذلك الانحراف، وهذا الركام من المعتقدات الشائهة، وذلك الرجس من الأخلاق والعادات، فلم يعرف عنه أنه شارك في شيء من خوض الجاهلية. ولكن هذا التوجيه يعني المفاصلة وإعلان التميز الذي لا صلح فيه ولا هوادة. فهما طريقان مفترقان لا يلتقيان. كما يعني التحرز من دنس هذا الرجز -والرجز في الأصل هو العذاب، ثم أصبح يطلق على موجبات العذاب- تحرز التطهر من مس هذا الدنس.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والهجر: ترك المخالطة وعدم الاقتراب من الشيء. والهجر هنا كناية عن ترك التلبس بالأحوال الخاصة بأنواع الرجز لكل نوع بما يناسبه في عرف الناس.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قيل: الرجز العذاب، والمراد بهجره هجر سببه، وهو الإثم والمعصية، وقيل: الرجز اسم لكل قبيح مستقذر من الأفعال والأخلاق، وقيل: الرجز: هو الصنم، فيكون كنايةً عن الشرك.
وفي جميع المعاني، تتضمن الفقرة توجيه النبي إلى هجران الأمور التي تتنافى مع المضمون الحيّ لرسالته، لأن التلوّث بالخبث الروحي أو الفكري أو العملي، يعني الانفصال عن خط الرسالة، والاستسلام للوضع المنحرف الذي يحوّله إلى إنسانٍ منحرفٍ خبيث، لا يستطيع أن ينطلق بخفّة الروح، وطهارة الضمير، وسلامة الخط، واتّزان الحركة في خطواته، ممّا يبتعد به عن الوصول إلى النتائج الكبيرة التي يتحرك في اتجاهها في الدعوة... وقد نستوحي من كلمة الهجر للرجز بجميع معانيه، أن الدعوة لا بد من أن تتحرك في خطين: خطٍّ إيجابيٍّ يلتزم الأخذ بكل طاهرٍ وحسنٍ، وخطٍّ سلبيٍّ يلتزم الإِعراض عن كل رجس وقبيح، انطلاقاً ممّا يمثّله السير على خط الإسلام، والابتعاد عن خط الجاهلية.