مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ} (5)

قوله تعالى : { والرجز فاهجر } فيه مسائل :

المسألة الأولى : ذكروا في الرجز وجوها ( الأول ) قال العتبي : الرجز العذاب قال الله تعالى : { لئن كشفت عنا الرجز } أي العذاب ثم سمي كيد الشيطان رجزا لأنه سبب للعذاب ، وسميت الأصنام رجزا لهذا المعنى أيضا ، فعلى هذا القول تكون الآية دالة على وجوب الاحتراز عن كل المعاصي ، ثم على هذا القول احتمالان ( أحدهما ) أن قوله : { والرجز فاهجر } يعني كل ما يؤدي إلى الرجز فاهجره ، والتقدير وذا الزجر فاهجر أي ذا العذاب فيكون المضاف محذوفا ( والثاني ) أنه سمي إلى ما يؤدي إلى العذاب عذابا تسمية للشيء ، باسم ما يجاوره ويتصل به ( القول الثاني ) أن الرجز اسم للقبيح المستقذر وهو معنى الرجس ، فقوله : { والرجز فاهجر } كلام جامع في مكارم الأخلاق كأنه قيل له : اهجر الجفاء والسفه وكل شيء قبيح ، ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين المستعملين للرجز ، وهذا يشاكل تأويل من فسر قوله : { وثيابك فطهر } على تحسين الخلق وتطهير النفس عن المعاصي والقبائح .

المسألة الثانية : احتج من جوز المعاصي على الأنبياء بهذه الآية ، قال لولا أنه كان مشتغلا بها وإلا لما زجر عنها بقوله : { والرجز فاهجر } والجواب المراد منه الأمر بالمداومة على ذلك الهجران ، كما أن المسلم إذا قال : اهدنا فليس معناه أنا لسنا على الهداية فاهدنا ، بل المراد ثبتنا على هذه الهداية ، فكذا هاهنا .

المسألة الثالثة : قرأ عاصم في رواية حفص والرجز بضم الراء في هذه السورة وفي سائر القرآن بكسر الراء ، وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر بالكسر وقرأ يعقوب بالضم ، ثم قال الفراء : هما لغتان والمعنى واحد ، وفي كتاب الخليل الرجز بضم الراء عبادة الأوثان وبكسر الراء العذاب ، ووسواس الشيطان أيضا رجز ، وقال أبو عبيدة : أفشى اللغتين وأكثرهما الكسر .