{ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى } أى : قال فرعون لموسى على سبيل التهديد والوعيد : يا موسى أجئتنا من المكان الذى هربت إليه ، ومعك هذه الآيات التى رأيناها ، لكى تخرجنا من أرضنا التى عشنا فيها وهى أرض مصر بسبب ما أظهرته أمامنا من سحر وفخة يد .
وسمى اللعين ما جاء به موسى - عليه السلام - من معجزات سحرا ، ليزيل من أذهان قومه أثر هذه المعجزات الباهرة .
وقال : { لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } ليحمل أتباعه على الوقوف فى وجه موسى بإبراز أن موسى جاء ليحتل أرضهم ، ويحوز أموالهم ، ويجعل السلطان لغيرهم .
وقد تكرر هذا المعنى فى آيات كثيرة منه قوله - تعالى - : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } وقوله - سبحانه - : { قالوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكبريآء فِي الأرض وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }
( قال : أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ? فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعد لا نخلفه نحن ولا أنت ، مكانا سوى . قال : موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ) . .
وهكذا لم يمض فرعون في الجدل ، لأن حجة موسى - عليه السلام - فيه واضحة وسلطانه فيه قوي ، وهو يستمد حجته من آيات الله في الكون ، ومن آياته الخاصة معه . . إنما لجأ إلى اتهام موسى بالسحر الذي يجعل العصا حية تسعى ، ويحيل اليد بيضاء من غير سوء . وقد كان السحر أقرب خاطر إلى فرعون لأنه منتشر في ذلك الوقت في مصر ؛ وهاتان الآيتان أقرب في طبيعتهما إلى المعروف من السحر . . وهو تخييل لا حقيقة ، وخداع للبصر والحواس ، قد يصل إلى خداع الإحساس ، فينشئ فيه آثارا محسوسة كآثار الحقيقة . كما يشاهد من رؤية الإنسان لأشياء لا وجود لها ، أو في صورة غير صورتها . وما يشاهد من تأثر المسحور أحيانا تأثرات عصبية وجسدية كما لو كان الأثر الواقع عليه حقيقة . . وليس من هذا النوع آيتا موسى . إنما هما من صنع القدرة المبدعة المحولة للأشياء حقا . تحويلا وقتيا أو دائما .
قال : أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ? .
و يظهر إن استعباد بني إسرائيل كان إجراء سياسيا خوفا من تكاثرهم وغلبتهم . وفي سبيل الملك والحكم لا يتحرج الطغاة من ارتكاب أشد الجرائم وحشية وأشنعها بربرية وأبعدها عن كل معاني الإنسانية وعن الخلق والشرف والضمير . ومن ثم كان فرعون يستأصل بني إسرائيل ويذلهم بقتل المواليد الذكور . واستبقاء الإناث ؛ وتسخير الكبار في الشاق المهلك من الأعمال . . فلما قال له موسى وهارون : أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم . قال : ( أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ? )لأن إطلاق بني إسرائيل تمهيد للاستيلاء على الحكم والأرض .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال فرعون لما أريناه آياتنا كلها لرسولنا موسى: أجئتنا يا موسى لتخرجنا من منازلنا ودورنا بسحرك هذا الذي جئتنا به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قد علم اللعين أنه لم يجئهم ليخرجهم من أرضهم، ولكنه يريد منهم الإسلام، لكنه أراد أن يحرض قومه عليه كقوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} [الشعراء: 35] فهذا إغراء منه قومه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والسحر حيلة يخفى سببها ويظن بها المعجزة، ولذلك يكفر المصدق بالسحر، لأنه لا يمكنه العلم بصحة النبوة مع تصديقه بأن الساحر يأتي بسحره بتغيير الثابت.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يلوح من جيب قوله: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ} أن فرائصه كانت ترعد خوفاً مما جاء به موسى عليه السلام، لعلمه وإيقانه أنه على الحق، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت، وأن مثله لا يخذل ولا يقل ناصره، وأنه غالبه على ملكه لا محالة. وقوله: {بِسِحْرِكَ} تعلل وتحير وإلا فكيف يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر؟.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه المقاولة من فرعون تدل على أن أمر موسى قد كان قوي وكثر متبعوه من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس، وذلك أنها مقاولة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه، وأرضهم هي أرض مصر.
ثم حكى الله تعالى شبهة فرعون وهي قوله: {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى} وتركيب هذه الشبهة عجيب وذلك لأنه ألقى في مسامعهم ما يصيرون به مبغضين له جدا وهو قوله: {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} وذلك لأن هذا مما يشق على الإنسان في النهاية، ولذلك جعله الله تعالى مساويا للقتل في قوله: {أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم}، ثم لما صاروا في نهاية البغض له أورد الشبهة الطاعنة في نبوته عليه السلام وهي أن ما جئتنا به سحر لا معجز.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
لما رأى الآيات التي أتاه بها موسى قال: إنها سحر، والمعنى: جئت لتوهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والإيمان بك، حتى تغلب على أرضنا وعلينا.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى مخبرًا عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى، وهي إلقاء عصاه فصارت ثعبانًا عظيما ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء فقال: هذا سحر، جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس، فيتبعونك وتكاثرنا بهم، ولا يتم هذا معك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: كيف صنع في تكذيبه وإبائه؟ فقيل: {قال} حين لم يجد مطعناً مخيلاً للقبط بما يثيرهم حمية لأنفسهم لأنه علم حقية ما جاء به موسى وظهوره، وتقبل العقول له، فخاف أن يتبعه الناس ويتركوه، ووهن في نفسه وهناً عظيماً بتأمل كلماته مفردة ومركبة يعرف مقداره: {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} هذه التي نحن مالكوها {بسحرك يا موسى} فخيل إلى أتباعه أن ذلك سحر، فكان ذلك -مع ما ألفوه من عادتهم في الضلال- صارفاً لهم عن اتباع ما رأوا من البيان.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وإنما قاله لحمل قومِه على غاية المقْت لموسى عليه الصلاة والسلام بإبراز أن مرادَه عليه الصلاة والسلام ليس مجردَ إنجاءِ بني إسرائيلَ من أيديهم بل إخراجُ القِبط من وطنهم وحيازةُ أموالِهم وأملاكهم بالكلية حتى لا يتوجّهَ إلى اتباعه أحدٌ ويبالغوا في المدافعة والمخاصمة، وسمي ما أظهره عليه الصلاة والسلام من المعجزة الباهرة سحراً لتجسيرهم على المقابلة، ثم ادّعى أنه يعارضه بمثل ما أتى به عليه الصلاة والسلام فقال: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهكذا لم يمض فرعون في الجدل، لأن حجة موسى -عليه السلام- فيه واضحة وسلطانه فيه قوي، وهو يستمد حجته من آيات الله في الكون، ومن آياته الخاصة معه.. إنما لجأ إلى اتهام موسى بالسحر الذي يجعل العصا حية تسعى، ويحيل اليد بيضاء من غير سوء. وقد كان السحر أقرب خاطر إلى فرعون لأنه منتشر في ذلك الوقت في مصر؛ وهاتان الآيتان أقرب في طبيعتهما إلى المعروف من السحر.. وهو تخييل لا حقيقة، وخداع للبصر والحواس، قد يصل إلى خداع الإحساس، فينشئ فيه آثارا محسوسة كآثار الحقيقة. كما يشاهد من رؤية الإنسان لأشياء لا وجود لها، أو في صورة غير صورتها. وما يشاهد من تأثر المسحور أحيانا تأثرات عصبية وجسدية كما لو كان الأثر الواقع عليه حقيقة.. وليس من هذا النوع آيتا موسى. إنما هما من صنع القدرة المبدعة المحولة للأشياء حقا. تحويلا وقتيا أو دائما. قال: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى؟. و يظهر إن استعباد بني إسرائيل كان إجراء سياسيا خوفا من تكاثرهم وغلبتهم. وفي سبيل الملك والحكم لا يتحرج الطغاة من ارتكاب أشد الجرائم وحشية وأشنعها بربرية وأبعدها عن كل معاني الإنسانية وعن الخلق والشرف والضمير. ومن ثم كان فرعون يستأصل بني إسرائيل ويذلهم بقتل المواليد الذكور. واستبقاء الإناث؛ وتسخير الكبار في الشاق المهلك من الأعمال.. فلما قال له موسى وهارون: أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. قال: (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى؟) لأن إطلاق بني إسرائيل تمهيد للاستيلاء على الحكم والأرض.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وفرعون بهذه المقالة يتهم موسى بأن له هدفا سياسيا من وراء الدعوة التي جاء بها من عند الله، وأنه إنما يريد من ورائها أن يستولي مع قومه على مقاليد الحكم، وأن يطيح بنظام فرعون وملائه ليقيم على أنقاضه نظاما آخر...
عاش المصريون قديما على ضفاف النيل؛ لذلك يقولون: مصر هبة النيل، حتى إذا ما انحسر الماء بذروا البذور وانتظروها طوال العام، ليس لهم عمل ينشغلون به، وهذه الحياة الرتيبة عودتهم على شيء من الكسل، إلا أنهم أحبوا هذا المكان، ولو قلت لواحد منهم: اترك هذه الأرض لمدة يوم أو يومين يثور عليك ويغضب. لذلك استغل فرعون ارتباط قومه بأرض مصر، وحاول أن يستعدي هؤلاء الذين يمثل عليهم أنه إله، يستعديهم على موسى وهارون فقال مقولته هذه: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى} وهنا ثار القوم، لا لألوهية فرعون المهددة، إنما دفاعا عن مصلحتهم الاقتصادية، وما ينتفعون به على ضفاف هذا النيل المبارك، الذي لا يضن عليهم في فيضانه ولا في انحساره، فكان القوم يسمونه: ميمون الغدوات والروحات، يجري بالزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر، له أوان. وهكذا نقل فرعون مجال الخلاف مع موسى وهارون إلى رعيته، فأصبحت المسألة بين موسى وهارون وبين رعية فرعون؛ لأنه خاف من كلام موسى ومما يعرضه من قضايا إن فهمها القوم كشفوا زيفه، وتنمروا عليه، وثاروا على حكمه، ورفضوا ألوهيته لهم، فأدخلهم طرفا في هذا الخلاف.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذا هو الأسلوب الذي يستهدف إبعاد المسألة عن نطاقها الفكري الإيماني الذي يريد أن يحرك العقول نحو اكتشاف الحقيقة بالدخول في حوار حولها، ليضعها في نطاق السحر الذي كان مألوفاً عندهم في ما كان يستعمله السحرة من ألاعيب وأوضاع يسحرون بها أعين الناس، مما لا يرقى في نفوس الناس إلى مستوى القداسة، بل يعتبرونها جزءاً من امتيازات النظام الذي يعمل على إلحاق السحرة بخدمته، في ما يمنحهم من أموال ومواقع بشرط أن يتحركوا في مواقعه، ويتبنوا مواقفه... ثم نراه يعمل على أساس إثارة الناس على موسى (عليه السلام)، كما يفعل الكثير من الإعلاميين اليوم في مواجهة الدعاة إلى الله، والعاملين في سبيله، لإثارة المجتمع عليهم ببعض الشعارات المضادة التي تثير عدوانية الناس ضدهم بحجة الدفاع عن الأضرار التي تلحق بهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
والآن، لنر ماذا قال فرعون الطاغي المستكبر العنود في مقابل موسى ومعجزاته، وكيف اتّهمه كما هي عادة كلّ المتسلّطين والحكّام المتعنّتين: (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) وهو إشارة إلى أنّنا نعلم أنّ مسألة النبوّة والدعوة إلى التوحيد، وإظهار هذه المعجزات تشكّل بمجموعها خطّة منسّقة للانتصار علينا، وبالتالي إخراجنا مع الأقباط من أرض آبائنا وأجدادنا، فليس هدفك الدعوة إلى التوحيد، ولا نجاة وتخليص بني إسرائيل، بل هدفك الوصول إلى الحكم والسيطرة على هذه الأرض، وإخراج المعارضين! إنّ هذه التهمة هي نفس الحربة التي يستخدمها الطواغيت والمستعمرون على امتداد التاريخ، ويلوحون بها ويشهرونها كلّما رأوا أنفسهم في خطر، ومن أجل إثارة الناس لصالحهم يثيرون مسألة تعرّض مصالح البلد للخطر، فالبلد يعني حكومة هؤلاء العتاة، ووجوده يعني وجودهم! ويعتقد بعض المفسّرين أنّ الهدف من جلب بني إسرائيل إلى مصر، والاحتفاظ بهم في هذه الأرض لم يكن من أجل استغلال قواهم كعبيد وحسب، بل إنّهم في الوقت نفسه كانوا لا يريدون لبني إسرائيل، الذين كانوا قوماً أقوياء، أن يتحوّلوا إلى قوّة ومصدر خطر. وكذلك لم يكن الأمر بقتل الذكور للخوف من ولادة موسى فقط، بل للوقوف أمام قوّتهم والحدّ منها، وهذا عمل يقوم به كلّ الأقوياء الظالمين، وبناءً على هذا فإنّ خروج بني إسرائيل حسب طلب موسى يعني اقتدار هذه الأمة، وفي هذه الحالة سيتعرّض سلطان الفراعنة وعرشهم إلى الخطر. والنقطة الأخرى في هذه العبارة القصيرة، هي أنّ فرعون قد اتّهم موسى بالسحر، وهذا هو ما اتّهم به كلّ الأنبياء عند إظهار معجزاتهم البيّنة، كما نقرأ ذلك في الآيتين (52- 53) من سورة الذاريات: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحر أو مجنون. أتواصوا به بل هم قوم طاغون). وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة أيضاً، وهي أنّ إثارة المشاعر الوطنية وحبّ الوطن في مثل هذه المواضع أمر مدروس بدقّة كاملة، لأنّ أغلب الناس يحبّون أرضهم ووطنهم كحبّهم أنفسهم وأرواحهم، ولذلك جعلوا هذين الأمرين في مرتبة واحدة، كما في بعض آيات القرآن: (ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليل منهم).