{ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } حيث إنى قتلت منهم نفسا { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } عندما أذهب إليهم ، على سبيل القصاص منى .
فأنت ترى أن موسى - عليه السلام - قد شكا إلى ربه خوفه من تكذيبهم وضيق صدره من طغيانهم ، وعقدة فى لسانه ، وخشيته من قتلهم له عندما يرونه .
وليس هذا من باب الامتناع عن أداء الرسالة ، أو الاعتذار عن تبليغها . وإنما هو من باب طلب العون من الله - تعالى - والاستعانة به - عز وجل - على تحمل هذا الأمر والتماس الإذن منه - فى إرشال هارون معه . ليكون عونا له فى مهمته ، وليخلفه فى تبليغ الرسالة فى حال قتلهم له .
وشبيه بهذا الجواب ما حكاه عنه - سبحانه - فى سورة طه فى قوله - تعالى - : { اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }
وكذلك الشأن في قوله : ( ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ) . . فإن ذكره هنا ليس للخوف من المواجهة ، والتخلي عن التكليف . ولكن له علاقة بالإرسال إلى هارون . حتى إذا قتلوه قام هارون من بعده قام هارون من بعده بالرسالة ، وأتم الواجب كما أمره ربه دون تعويق .
فهو الاحتياط للدعوة لا للداعية . الاحتياط من أن يحتبس لسانه في الأولى وهو في موقف المنافحة عن رسالة ربه وبيانها ، فتبدوا الدعوة ضعيفة قاصرة . والاحتياط من أن يقتلوه في الثانية فتتوقف دعوة ربه التي كلف أداءها وهو على إبلاغها واطرادها حريص . وهذا هو الذي يليق بموسى - عليه السلام - الذي صنعه الله على عينه ، واصطنعه لنفسه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولهم علي ذنب} يعني: عندي ذنب، يعني: قتل النفس {فأخاف أن يقتلون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ولَهُمْ عَليّ ذَنْبٌ" يقول: ولقوم فرعون عليّ دعوى ذنب أذنبت إليهم، وذلك قتله النفس التي قتلها منهم...
وقوله: "فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ "يقول: فأخاف أن يقتلوني قَوَدا بالنفس التي قتلت منهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" ولهم علي ذنب "يعني قتل القبطي الذي قتله موسى حين استصرخ به واحد من أصحابه من بني اسرائيل...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر ما تؤثره الرسالة، وقدم الإشارة إلى استكشافه لأنه أهم، أتبعه ما يترتب على مطلق التظاهر لهم فضلاً عن مواجهتهم بما يكرهون فقال: {ولهم عليّ} أي بقتلي نفساً منهم؛ وقال: {ذنب} وإن كان المقتول غير معصوم تسمية له بما يزعمونه، ولذلك قيده ب "لهم "وأيضاً فلكونه ما كان أتاه فيه من الله تعالى أمر بخصوصه {فأخاف} بسبب ذلك {أن يقتلون} أي بذلك، مع ما أضمه إليه من التعرض لهم، فلا أتمكن من أداء الرسالة، فإذا كان هارون معي عاضدني في إبلاغها، وكل ذلك استكشاف واستدفاع للبلاء، واستعلام للعافية، لا توقف في القبول -كما مضى التصريح به في سورة طه.
السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :
ثم زاد في الاعتذار في طلب العون خوفاً من أن يقتل قبل تبليغ الرسالة بقوله: {ولهم علي ذنب} أي: تبعه ذنب فحذف المضاف، أو سمى باسمه كما يسمى جزاء السيئة سيئة وهو قتله القبطي وسماه ذنباً على زعمهم، وهذا اختصار قصته المبسوطة في مواضع. {فأخاف} بسبب ذلك {أن يقتلون} أي: يقتلونني به.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وكذلك الشأن في قوله: (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون).. فإن ذكره هنا ليس للخوف من المواجهة، والتخلي عن التكليف. ولكن له علاقة بالإرسال إلى هارون. حتى إذا قتلوه قام هارون من بعده قام هارون من بعده بالرسالة، وأتم الواجب كما أمره ربه دون تعويق. فهو الاحتياط للدعوة لا للداعية. الاحتياط من أن يحتبس لسانه في الأولى وهو في موقف المنافحة عن رسالة ربه وبيانها، فتبدوا الدعوة ضعيفة قاصرة. والاحتياط من أن يقتلوه في الثانية فتتوقف دعوة ربه التي كلف أداءها وهو على إبلاغها واطرادها حريص. وهذا هو الذي يليق بموسى -عليه السلام- الذي صنعه الله على عينه، واصطنعه لنفسه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبِغَضّ النظر عن كلّ ذلك فإنّ قوم فرعون يطاردونني (ولهم عليّ ذنب) كما يعتقدون لأنّي قتلت واحداً منهم حين كان يتنازع مع إسرائيلي مظلوم بضربة حاسمة! وأنا قلق من ذلك (فأخاف أن يقتلونِ). وفي الحقيقة إنّ موسى (عليه السلام) كان يرى أربع مشاكل كبرى في طريقه، فكان يطلب من الله حلّها لأداء رسالته وهذه المشاكل هي... مشكلة التكذيب. مشكلة ضيق الصدر. مشكلة عدم الفصاحة الكافية. و مشكلة القصاص! ويتّضح ضمناً أنّ موسى لم يكن خائفاً على نفسه، بل كان خوفه أن لا يصل إلى الهدف والمقصد للأسباب آنفة الذكر، لذلك فقد كان يطلب من الله سبحانه مزيد القوّة لهذه المواجهة!... طلبات موسى (عليه السلام) من الله في هذا الصدد خير شاهد على هذه الحقيقة، إذ طلب أن يشرح صدره وحلّ عقدة لسانه وأن يرسل إلى هارون للمعاضدة في التبليغ كما جاء ذلك في سورة طه بصورة أكثر تفصيلا إذ قال: (ربّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً).