ثم ذكر - سبحانه - ما حل بهؤلاء الأشقياء من عذاب فى أعقاب هذا التأنيب فقال : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } .
والكبكبة : تكرير الكب ، وهو الإلقاء على الوجه مرة بعد أخرى ، وضمير الجمع للآلهة التى عبدها الكافرون من دون الله - تعالى - : وجىء بضمير العقلاء على سبيل التهكم بهم ، أى : فألقى المعبودون والعابدون فى جهنم ، ومعهم جنود إبليس كلهم سواء أكانوا من الشياطين أم من أتباعه من الجن والإنس .
وفى التعبير بكبكبوا تصوير صادق مؤثر لحالة هؤلاء الضالين ، وهم يتساقطون - والعياذ بالله - فى جهنم ، بلا رحمة ، ولا عناية ، ولا نظام ، بل بعضهم فوق بعض وقد تناثرت أشلاؤهم .
وقوله : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } قال مجاهد : يعني : فَدُهْوِرُوا{[21789]} فيها .
وقال غيره : كببوا فيها . والكاف مكررة ، كما يقال : صرصر . والمراد : أنه ألقي بعضهم على بعض ، من الكفار وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكبكبوا فيها} يعني: فقذفوا في النار، يعني: فقذفهم الخزنة في النار {هم} يعني: كفار بني آدم {والغاون} يعني: الشياطين الذين أغووا بني آدم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فَكُبْكِبُوا فيها هُمْ والغاوُونَ" يقول: فرمي ببعضهم في الجحيم على بعض، وطرح بعضهم على بعض منكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كبِّبُوا، ولكن الكاف كرّرت كما قيل: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني به صرّ... عن مجاهد، قوله: فَكُبْكبُوا قال: فدهوروا...
عن ابن عباس، قوله: فَكُبْكبُوا فيها يقول: فجمعوا فيها...
فتأويل الكلام: فكبكب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوون.
وذُكر عن قَتادة أنه كان يقول: الغاوون في هذا الموضع: الشياطين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال الزجاج: هو من كب أي كبوا، لكن ذكر كبكبوا على التكرار والإعادة مرة بعد مرة أي يكبون ثم يكبون، لم يزل عنهم ذلك، أو كلام نحو هذا.
وقال القتبي: {فكبكبوا فيها} ألقوا على رؤسهم وقذفوا. وأصل الحرف كبوا؛ من ذلك كببت الإناء، فأبدلت مكان الباء الكاف، وهو الطرح والإلقاء على الوجوه. يقال: كبكبتهم أي طرحتهم في النار أو في البئر. [ومنه] قوله: {فكبت وجوههم في النار} [النمل: 90].
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ} أي الآلهة {والغاوون} وعبدتهم الذين برزت لهم الجحيم. والكبكبة: تكرير الكب، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى، كأنه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقرّ في قعرها، اللهم أجرنا منها يا خير مستجار.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تسبب عن هذا التبريز والقول إظهار قدرته تعالى وعجزهم بقذفهم فيها قال: {فكبكبوا} أي الأصنام ونحوها، قلبوا وصرعوا ورموا، قلباً عظيماً مكرراً سريعاً من كل من أمره الله بقلبهم بعد هذا السؤال، إظهاراً لعجزهم بالفعل حتى عن الجواب قبل الجواب {فيها} أي في مهواة الجحيم قلباً عنيفاً مضاعفاً كثيراً بعضهم في أثر بعض {هم} أي الأصنام وما شابهها مما عبد من الشياطين ونحوهم {والغاوون} أي الذي ضلوا بهم.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
أي أُلقوا في الجحيمِ على وجوهِهم مرَّةً بعد أُخرى إلى أنْ يستقرُّوا في قعرها {هُمْ} أي آلهتُهم {والغاوون} الذين كانُوا يعبدونهم، وفي تأخير ذكرِهم عن ذكر آلهتكم رمزٌ إلى أنَّهم يؤخَّرون عنها في الكبكبةِ ليُشاهدوا سوءَ حالِها فيزدادوا غماً إلى غمَّهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون).. كبكبوا.. وإننا لنكاد نسمع من جرس اللفظ صوت تدفعهم وتكفئهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام، وصوت الكركبة الناشئ من الكبكبة، كما ينهار الجرف فتتبعه الجروف. فهو لفظ مصور بجرسه لمعناه. وإنهم لغاوون ضالون،
الفعل كبكب، يعني: كبوا مرة مع أخرى على وجوههم، فهي تعني تكرار الكب، فكلما قام كب على وجهه مرة أخرى، وهي على وزن فعللة الدال على التكرار كما تقول: زقزقة العصافير، ونقنقة الضفادع. والمراد هنا الأصنام تكب على وجوهها، وتسبق من عبدها إلى النار، كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (الأنبياء 98) وقال: {هم والغاوون} فالغاوون يسبقون من أغووهم وأضلوهم؛ ليقطع أمل التابعين لهم في النجاة، فلو دخل التابعون أولا لقالوا: سيأتي من عبدنا لينقذونا، لكن يجدونهم أمامهم قد سبقوهم، كما قال تعالى عن فرعون: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} (هود 98).
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.