ويقال لأهل النار { ذَلِكُمْ } العذاب ، الذي نوع عليكم { بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } أي : تفرحون بالباطل الذي أنتم عليه ، وبالعلوم التي خالفتم بها علوم الرسل وتمرحون على عباد الله ، بغيًا وعدوانًا ، وظلمًا ، وعصيانًا ، كما قال تعالى في آخر هذه السورة : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ }
وكما قال قوم قارون له : { لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }
وهذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب ، بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } وهو الفرح بالعلم النافع ، والعمل الصالح .
ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بهم إلى هذا العذاب المهين فقال : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ . ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين } .
وقوله : { تَمْرَحُونَ } من المرح وهو التوسع فى الفرح مع الأشر والبطر .
أى : ذلك الذى نزل بكم من العذاب ، بسبب فرحكم وبطركم فى الأرض بالباطل ، وبسبب مرحكم وأشركم وغروركم فيها وحق عليكم أن يقال لكم بسبب ذلك : ادخلوا أبواب جهنم المفتوحة أمامكم ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، فبئس { مَثْوَى } أى : مكان المتكبرين } عن قبول الحق جهنم .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوَاْ أَبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرْضِ بغَيرِ الحَقّ هذا الذي فعلنا اليوم بكم أيها القوم من تعذيبنا كم العذاب الذي أنتم فيه ، بفرحكم الذي كنتم تفرحونه في الدنيا ، بغير ما أذن لكم به من الباطل والمعاصي ، وبمرحكم فيها ، والمرح : هو الأشر والبطر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرْضِ بغَيرِ الحَقّ إلى فَبئْسَ مَثْوَى المُتَكَبّرينَ قال : الفرح والمرح : الفخر والخُيَلاء ، والعمل في الأرض بالخطيئة ، وكان ذلك في الشرك ، وهو مثل قوله لقارون : إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الفَرِحِينَ وذلك في الشرك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرْضِ بغَيرِ الحَقّ وبما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ قال : تَبْطرون وتأشَرُون .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : تَمْرَحُونَ قال : تبطرون .
وقوله : { ذلكم بما كنتم تفرحون } تكملة القيل الذي يقال لهم حينَ إِذْ الإِغلالُ في أعناقهم . والإِشارة إلى ما هم فيه من العذاب . و ( مَا ) في الموضعين مصدرية ، أي ذلكم مسبب على فرحكم ومرحكم اللذين كانا لكم في الدنيا ، والأرض : مطلقة على الدنيا .
والفرح : المسرة ورضى الإِنسان على أحواله ، فهو انفعال نفساني . والمرح ما يَظهر على الفارح من الحركات في مشيه ونظره ومعاملته مع الناس وكلامه وتكبره فهو هيئة ظاهرية .
و { بِغَيْرِ الحَقِّ } يتنازعه كل من { تفرحون } و { تمرحون } أي تفرحون بما يسركم من الباطل وتزدهون بالباطل فمن آثار فرحهم بالباطل تطاولُهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن المرح بالباطل استهزاؤهم بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، قال تعالى : { وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين } [ المطففين : 30 ، 31 ] . فالفرح كلما جاء منهياً عنه في القرآن فالمراد به هذا الصنف منه ، كقوله تعالى : { إذ قال له قومه لا تفرح إن اللَّه لا يحب الفرحين } [ القصص : 76 ] لا كلُّ فَرح ، فإن الله امتنّ على المؤمنين بالفرح في قوله : { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللَّه } [ الروم : 4 ، 5 ] . وبين { تفرحون وتمرحون } الجناس المحرَّف .