الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ} (75)

قوله تعالى : " ذلكم " أي ذلكم العذاب " بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق " بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخا . أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة . وقيل : إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل : نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب . وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز : " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم " [ غافر : 83 ] . " وبما كنتم تمرحون " قال مجاهد وغيره : أي تبطرون وتأشرون . وقد مضى في " سبحان " {[13401]} بيانه . وقال الضحاك : الفرح السرور ، والمرح العدوان . وروى خالد عن ثور عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين ويبغض كل حبر سمين{[13402]} ) فأما أهل بيت لحمين : فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة . وأما الحبر السمين : فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس ، يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس . ذكره الماوردي . وقد قيل في اللحمين : أنهم الذين يكثرون أكل اللحم ، ومنه قول عمر : اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوة{[13403]} كضراوة الخمر ، ذكره المهدوي . والأول قول سفيان الثوري .


[13401]:راجع ج 10 ص 260 طبعة أولى أو ثانية.
[13402]:الحديث في النهاية " إن الله ليبغض أهل البيت اللحمين".
[13403]:الضراوة في قول عمر العادة في النفس الطلابة لأكل اللحم، وهي حال ناشئة عن الاعتياد.