وبعد هذا الحديث عن الكافرين وسوء مصيرهم ، ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن المتقين وحسن عاقبتهم فقال - تعالى - : { إِنَّ المتقين فِي . . . فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } .
أى : إن الذين اتقوا الله - تعالى - وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضيه سيكونون يوم القيامة { فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } أي : فى مكان يأمن معه صاحبه من كل خوف .
فالمراد بالمقام - بالفتح - موضع القيام ، أي : الثبات والملازمة . وقرأ ابن عامر ونافع ، { مُقَامٍ } - بضم الميم - أي : موضع الإِقامة . والمراد أنهم في مكان أو مجلس لا خوف فيه ولا مكروه .
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر [ حال ]{[26279]} السعداء - ولهذا سُمّي القرآن مثاني - فقال : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } أي : لله في الدنيا { فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } أي : في الآخرة وهو الجنة ، قد أمنوا فيها من الموت والخروج ، ومن كل هم وحزن وجزع{[26280]} وتعب ونصب ، ومن الشيطان وكيده ، وسائر الآفات والمصائب .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مّتَقَابِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين اتقوا الله بأداء طاعته ، واجتناب معاصيه في موضع إقامة ، آمنين في ذلك الموضع مما كان يخاف منه في مقامات الدنيا من الأوصاب والعلل والأنصاب والأحزان .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فِي مَقامٍ أمِينٍ ؛ فقرأته عامة قرّاء المدينة «في مُقامٍ أمِينٍ » بضم الميم ، بمعنى : في إقامة أمين من الظعن . وقرأته عامة قرّاء المصرين الكوفة والبصرة فِي مَقامٍ بفتح الميم على المعنى الذي وصفنا ، وتوجيها إلى أنهم في مكان وموضع أمين .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ المُتّقِينَ فِي مَقَامٍ أمِينٍ إي والله ، أمين من الشيطان والأنصاب والأحزان .
ثم ذكر تعالى حالة المتقين بعقب ذكر حالة الكافر ليبين الفرق .
وقرأ نافع وابن عامر : «في مُقام » بضم الميم ، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة وقتادة وعبد الله بن عمر بن الخطاب والحسن والأعرج . وقرأ الباقون : «في مَقام » بفتحها ، وهي قراءة أبي رجاء وعيسى ويحيى والأعمش .
و : { أمين } يؤمن فيه الغير ، فكأنه فعيل بمعنى مفعول ، أي مأمون فيه .
استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من وصف عذاب الأثيم إلى وصف نعيم المتقين لمناسبة التضاد على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والعكس .
والمُقام بضم الميم : مكان الإقامة . والمَقام بفتح الميم : مكان القيام ويتناول المسكن وما يتبعه . وقرأه نافع وابنُ عامر وأبو جعفر بضم الميم . وقرأه الباقون بفتح الميم .
والمراد بالمُقام المكان فهو مجاز بعلاقة الخصوص والعموم .
والأمين بمعنى الآمِن والمراد : الآمن ساكنه ، فوصفه ب { أمين } مجاز عقلي كما قال تعالى : { وهذا البلد الأمين } [ التين : 3 ] . والأمن أكبر شروط حسن المكان لأن الساكن أولُ ما يتطلب الأمن وهو السلامة من المكاره والمخاوف فإذا كان آمناً في منزله كان مطمئن البال شاعراً بالنعيم الذي يناله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.