والاستثناء فى قوله - تعالى - : { إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } استثناء منقطع . أى : هذا هو حال الكافرين ، لكن الذين آمنوا إيمانا حقا ، وقدموا فى دنياهم الأعمال الصالحة ، فلهم فى الآخرة أجر غير مقطوع ، فقوله { ممنون } مِنْ مَنَّ : إذا قطع يقال : مننت الحبل إذا قطعته ، أو لهم أجر خالص من شوائب الامتنان ، وهو أن يعطى الإِنسان غيره عطاء ، ثم يتباهى عليه به .
وفي الوقت ذاته يعرض ما ينتظر المؤمنين الذين لا يكذبون ، فيستعدون بالعمل الصالح لما يستقبلون . ويجيء هذا العرض في السياق كأنه استثناء من مصير الكفار المكذبين :
( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . لهم أجر غير ممنون ) . .
وهو الذي يقال عنه في اللغة إنه استثناء منقطع . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يكونوا داخلين ابتداء في تلك البشارة السوداء ثم استثنوا منها ! ولكن التعبير على هذا النحو أشد إثارة للانتباه إلى الأمر المستثنى !
والأجر غير الممنون . . هو الأجر الدائم غير المقطوع . . في دار البقاء والخلود . .
وبهذا الإيقاع الحاسم القصير ، تنتهي السورة القصيرة العبارة ، البعيدة الآماد في مجالات الكون والضمير .
وقوله { إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } هذا استثناء منقطع ، يعني لكن الذين آمنوا - أي : بقلوبهم - وعملوا الصالحات بجوارحهم { لَهُمْ أَجْرٌ } أي : في الدار الآخرة .
{ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال ابن عباس : غير منقوص . وقال مجاهد ، والضحاك : غير محسوب .
وحاصل قولهما أنه غير مقطوع ، كما قال تعالى : { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] . وقال السدي : قال بعضهم : { غَيْرُ مَمْنُونٍ } غير منقوص . وقال بعضهم : { غَيْرُ مَمْنُونٍ } عليهم .
وهذا القول الآخر عن بعضهم قد أنكره غير واحد ؛ فإن الله عز وجل له المنة على أهل الجنة في كل حال وآن ولحظة ، وإنما دخلوها بفضله ورحمته لا بأعمالهم ، فله عليهم المنة دائما سرمدًا ، والحمد لله وحده أبدا ؛ ولهذا يلهمون تسبيحه وتحميده كما يلهمون النَّفَس : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] .
قوله : فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ : يقول جلّ ثناؤه : فبشر يا محمد هؤلاء المكذّبين بآيات الله ، بعذاب أليم لهم عند الله موجع إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يقول : إلاّ الذين تابوا منهم وصدّقوا ، وأقرّوا بتوحيده ، ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبالبعث بعد الممات . وعملوا الصالحات يقول : وأدّوا فرائض الله ، واجتنبوا ركوب ما حرّم الله عليهم ركوبه .
وقوله : لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول تعالى ذكره : لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ثواب غير محسوب ولا منقوص . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : لَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٌ يقول : غير منقوص .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ يعني : غير محسوب .
ثم استثنى تعالى من كفار قريش القوم الذين كان سبق لهم الإيمان في قضائه ، و { ممنون } معناه : مقطوع من قولهم : حبل منين أي مقطوع ، ومنه قول الحارث بن حلّزة اليشكري : [ الخفيف ]
فترى خلفهن من شدة الرجع . . . منيناً كأنني أهباء{[11716]}
يريد غباراً متقطعاً ، وقال ابن عباس : { ممنون } بمعنى : معدود عليهم محسوب منغص بالمن{[11717]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.