ثم أكد - سبحانه - تلك العقوبة بعقوبة أخرى لازمة لها ما داموا على تلك الحالة الشنيعة فقال - تعالى - { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب } بسبب إصرارهم على الكفر فى الدنيا ، وانغماسهم فيما يغضب الله { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أى ولا هم يمهلون ولا يؤخر عنهم العذاب بل عذابهم عاجل لا يقبل الإمهال أو التأخير بسبب ما ارتكبوه فى الدنيا من شرور وآثام .
هذا هو الإسلام كما يريده الله ؛ ولا عبرة بالإسلام كما تريده أهواء البشر في جيل منكود من أجيال الناس ! ولا كما تصوره رغائب أعدائه المتربصين به ، وعملائهم هنا أو هناك !
فأما الذين لا يقبلون الإسلام على النحو الذي أراده الله ، بعدما عرفوا حقيقته ، ثم لم تقبلها أهواؤهم ، فهمفي الآخرة من الخاسرين . ولن يهديهم الله ، ولن يعفيهم من العذاب :
( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ، وشهدوا أن الرسول حق ، وجاءهم البينات . والله لا يهدي القوم الظالمين . أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) . .
وهي حملة رعيبة يرجف لها كل قلب فيه ذرة من إيمان ؛ ومن جدية الأمر في الدنيا وفي الآخرة سواء . وهو جزاء حق لمن تتاح له فرصة النجاة ، ثم يعرض عنها هذا الإعراض .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{خالدين فيها}: في اللعنة، مقيمين فيها. {لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}: لا يناظر بهم العذاب. فاستثنى: {إلا الذين تابوا}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{خالِدِينَ فِيها}: ماكثين فيها، يعني: في عقوبة الله. {لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ العَذَابُ}: لا ينقصون من العذاب شيئا في حال من الأحوال ولا يُنفّسُون فيه. {وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ}: ولا هم ينظرون لمعذرة يعتذرون. وذلك كله: أعني الخلود في العقوبة في الآخرة.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(لا يخفف عنهم العذاب): فالتخفيف هو تغيير الشيء عن حال الصعوبة إلى السهولة، وهو تسهيل لما فيه كلفة ومشقة وأصله من خفة الجسم ضد ثقلة. ومنه تخفيف المحنة معناه تسهيلها. (ولا هم ينظرون): لا يمهلون، وإنما نفى إنظارهم للإنابة لما علم من حالهم أنهم لا ينيبون كما قال:"ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه".
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قرائن الآية تقتضي أن هذه اللعنة مخلدة لهم في جهنم: فالضمير عائد على النار، وإن كان لم يجر لها ذكر، لأن المعنى يفهمها في هذا الموضع كما يفهم قوله تعالى: {كل من عليها فان} أنها الأرض،... و {ينظرون} في هذه الآية، بمعنى يؤخرون، ولا راحة إلا في التخفيف أو التأخير، فهما مرتفعان عنهم، ولا يجوز أن يكون {ينظرون} هنا من نظر العين إلا على توجيه غير فصيح لا يليق بكتاب الله تعالى...
السؤال الثاني: قوله {خالدين فيها} أي خالدين في اللعنة، فما خلود اللعنة؟
قلنا: فيه وجهان: الأول: أن التخليد في اللعنة على معنى أنهم يوم القيامة لا يزال يلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم في النار فلا يخلو شيء من أحوالهم، من أن يلعنهم لاعن من هؤلاء. الثاني: أن المراد بخلود اللعن خلود أثر اللعن، لأن اللعن يوجب العقاب، فعبر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن، ونظيره قوله تعالى: {من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه} [طه: 100، 101].
ثم قال: {لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}؛ معنى الانظار: التأخير، قال تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] فالمعنى: أنه لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت إلى وقت.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{خالدين فيها} أي اللعنة دائماً.
ولما كان المقيم في الشدة قد تنقص شدته على طول نفي ذلك بقوله: {لا يخفف عنهم العذاب} مفيداً أن عليهم مع مطلق الشدة بالطرد شدائد أخرى بالعقوبة. ولما كان المعذب على شيء ربما استمهل وقتاً ما ليرجع عن ذلك الشيء أو ليعتذر نفى ذلك بقوله: {ولا هم ينظرون} أي يؤخرون للعلم بحالهم باطناً وظاهراً حالاً ومآلاً، ولإقامة الحجة عليهم من جميع الوجوه، لم يترك شيء منها لأن المقيم لها منزه عن العجز والنسيان.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{خالدين فيها} أي في اللعنة أي يكونون مطرودين أو مسخوطا عليهم إلى الأبد، أو في أثرها وهو عذاب جهنم: {لا يخفف عنهم العذاب} الذي هو من لوازمها لأن علته ما تكيفت به نفوسهم الظالمة، وهي معهم لا تفارقهم والشيء يدوم بدوام علته: {ولا هم ينظرون} من الإنظار وهو التأخير والإمهال.