اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (88)

قوله : " خالدين " حال من المضير في " عَلَيْهِمْ " والعامل فيها الاستقرار ؛ أو الجارّ ؛ لقيامه مقام الفعلِ ، والضمير في " فِيهَا " للَّعنة ، ومعنى الخلود في اللعن فيه وجهان :

الأول : أنهم يوم القيامة لا تزال تلعنهم الملائكةُ والمؤمنون ، ومَنْ معهم في النار ، ولا يخلو حالٌ من أحوالهم من اللعنة .

الثاني : أن اللَّعْنَ يوجب العقابَ ، فعبَّر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعنِ ، ونظيره قوله : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ } [ طه : 100-101 ] وقال ابن عباس : قوله : " خالدين فيها " أي في " جهنم " ، فعلى هذا الكناية عن غير مذكور . و{ لاَ يُخَفَّفُ } جملة حالية أو مستأنفة ، و { إِلاَّ الَّذِينَ } استثناء متصل .

فصل

اعلم أن لعنة الله مخالفة للعنة الملائكة ؛ لأن لعنته بالإبعاد من الجنة ، وإنزال العذاب ، واللعنة من الملائكة ، ومن الناس هي بالقول ، وكل ذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم وكفرهم .

فإن قيل : لم عَمَّ جَمِيع النَّاس ، ومَنْ يُوافِقهُ لا يَلْعَنُهُ ؟ فَالجوابُ مِن وُجوهٍ :

أحدها : قال أبو مُسْلِمٍ : لَهُ أن يَلْعَنَهُ ، وَإن كَانَ لاَ يَلْعَنُهُ .

الثاني : أنَّهُم فِي الآخرةِ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، لِقَوْلِهِ تَعالَى : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] وقال :

{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] وعلى هَذا فَقَدْ حَصَلَ اللَّعْنُ للكفارِ ومن يوافقهم .

الثالث : كأن الناسَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ، والْكُفَّار لَيْسُوا مِن النَّاس .

الرابع : وهو الأصح - أنَّ جميعَ الْخَلقِ يَلْعَنُونَ المُبْطِلَ والكَافِرَ ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أنَّهُ لَيْسَ بمُبْطِلٍ وَلا بكافرٍ فَإذا لَعَن الكافِرَ - وَكَانَ هُو فِي عِلم اللهِ كَافراً - فَقَدْ لَعَنَ نَفْسَه ، وَهُوَ لا يَعْلَم ذَلكَ .

قوله : " لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " مَعْنَى الإنْظَار : التَّأخِيْرُ ، قَالَ تَعالى : { فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة } [ البقرة : 280 ] والمَعْنَى : لاَ يُخَفَّفُ ، وَلا يُؤخَّر من وَقتٍ إلى وَقْتٍ .