وقد رد عليهم إبراهيم - عليه السلام - بما يوقظهم من جهلهم لو كانوا يعقلون ، فقال لهم : { يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } .
أى : قال لهم إبراهيم على سبيل التنبيه والتبكيت : هذه الأصنام التى تعبدونها من دون الله ، هل تسمع دعاءكم إذا دعوتموها ، وهل تحس بعبادتكم لها إذا عبدتموها ، وهل تملك أن تنفعكم بشىء من النفع أو تضركم بشىء من الضر ؟
ويأخذ إبراهيم - عليه السلام - يوقظ قلوبهم الغافية ، وينبه عقولهم المتبلدة ، إلى هذا السخف الذي يزاولونه دون وعي ولا تفكير :
( قال هل يسمعونكم إذ تدعون ? أو ينفعونكم أو يضرون ? )
فأقل ما يتوفر لإله يعبد أن يكون له سمع كعابده الذي يتوجه إليه بالعبادة والابتهال ! وهذه الأصنام لا تسمع عبادها وهم يتوجهون إليها بالعبادة ، ويدعونها للنفع والضر . فإن كانت صماء لا تسمع فهل هي تملك النفغ والضر ? لا هذا ولا ذاك يمكن أن يدعوه !
ولم يجب القوم بشيء عن هذا فهم لا يشكون في أن إبراهيم إنما يتهكم ويستنكر ؛ وهم لا يملكون حجة لدفع ما يقول . فإذا تكلموا كشفوا عن التحجر الذي يصيب المقلدين بلا وعي ولا تفكير :
{ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } يعني : اعترفوا بأن{[21754]} أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك ، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون ، فهم على آثارهم يُهرعون .
{ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }
يقول تعالـى ذكره قال إبراهيـم لهم هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك فقال بعض نـحويـي البصرة معناه هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم، فحذف الدعاء، كما قال زُهَير
القائِدُ الـخَيْـلَ مَنْكُوبـا دَوَابِرُها قدْ أُحْكِمَتْ حَكماتِ القِدّ والأبَقا
وقال يريد أحكمت حكمات الأبق، فألقـى الـحكمات وأقام الأبق مُقامها. وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربـية الفصيح من الكلام فـي ذلك هو ما جاء فـي القرآن، لأن العرب تقول سمعت زيدا متكلـما، يريدون سمعت كلام زيد، ثم تعلـم أن السمع لا يقع علـى الأناسيّ، إنـما يقع علـى كلامهم ثم يقولون سمعت زيدا أي سمعت كلامه، قال ولو لـم يقدم فـي بـيت زهير حكمات القدّ لـم يجز أن يسبق بـالأبق علـيها، لأنه لا يقال رأيت الأبق، وهو يريد الـحكمة.
ثم أخذ إبراهيم عليه السلام يوقفهم على أشياء يشهد العقل أنها بعيدة من صفات الله ، وقرأ الجمهور بفتح الياء من «يسمعونكم » ، وقرأ قتادة بضمها من أسمع وبكسر الميم والمفعول على هذه القراءة محذوف{[8948]} ، وقرأ جماعة من القراء { إذ تدعون } بإظهار الذال والتاء ، وقرأ الجمهور { إذ تدعون } بإدغام الذال في التاء بعد القلب ويجوز فيه قياس مذكر ، ولم يقرأ به وطرد القياس أن يكون اللفظ به «إذ َدْدعون » والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية بالفعل فكثرت المماثلات{[8949]} .