اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ} (72)

فقال إبراهيم - عليه السلام {[37297]}- منبهاً على فساد مذهبهم : «هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ » لا بد من محذوف ، أي : يسمعون دعاءكم{[37298]} ، أو يسمعونكم تدعون{[37299]} ، فعلى الأول هي متعدية لواحد اتفاقاً . وعلى الثاني هي متعدية لاثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني ، وهو قول الفارسي{[37300]} .

وعند غيره : الجملة المقدرة حال{[37301]} . وتقدم تحقيق القولين .

وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضم الياء وكسر الميم{[37297]} ، والمفعول الثاني محذوف ، أي : يسمعونكم الجواب{[37303]} .

قوله : «إذْ تَدْعُونَ » منصوب بما قبله ، فما قبله وما بعده ماضيان معنى وإن كانا مستقبلين لفظاً لعمل الأول{[37304]} في «إذْ » ولعمل «إذْ » في الثاني{[37305]} .

وقال بعضهم : «إذ » هنا بمعنى : «إذا »{[37306]} وقال الزمخشري : إنه على حكاية الحال الماضية ، ومعناه : استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها ، هل سمعوكم إذا سمعوا{[37307]} ؟ وهو أبلغ في التبكيت{[37308]} ، وقد تقدم أنه قرىء بإدغام ذال «إذْ » وإظهارها في التاء{[37309]} . وقال ابن عطية : ويجوز فيه قياس «مذكر » ونحوه ، ولم يقرأ به أحد ، والقياس أن يكون اللفظ به «إدَّدْعون »{[37310]} والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل فكثرت المتماثلات{[37311]} ، يعني : فيكون اللفظ بدال مشددة مهملة ، ثم بدال ساكنة مهملة أيضاً .

قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ، لأن هذا الإبدال إنما هو في تاء الافتعال بعد الدال والذال والزاي نحو : ادَّهَن ، واذّكر ، وازْدَجَر ، وبعد جيم شذوذاً نحو : «اجْدَمعوا » في «اجتمعوا » ، وفي تاء الضمير بعد الدال والزاي نحو : «فُزْدَ في فُزْتَ » و «جَلَدُّ في جَلَدْتُ »{[37312]} أو تاء «تَوْلَج » قالوا فيها : «دَوْلَج »{[37313]} وتاء المضارعة ، ليس شيئاً مما ذكر وقوله : «والذي منع . . . إلى آخره » يقتضي جوازه لو لم يوجد ما ذكر ، فعلى مقتضى قوله يجوز أن تقول في «إذْ تَخْرُج » : «إذَّ خْرُج » ولا يقول ذلك أحد ، بل يقولون : اتّخرج فيدغمون الذال في التاء{[37314]} .

72


[37297]:المختصر (107)، المحتسب 2/129.
[37298]:انظر معاني القرآن للأخفش 2/646، الكشاف 3/117، البيان 2/214، التبيان 2/996.
[37299]:انظر البيان 2/214، البحر المحيط 7/23.
[37300]:قال أبو علي: (وأفعال الحواس الخمس كلها متعدية نحو رأيته وشممته وذقته ولمسته وسمعته، إلا أن سمعت يتعدى إلى مفعولين، ولا بد من أن يكون الثاني مما يسمع كقولك: سمعت زيداً يقول ذاك، ولو قلت: سمعت زيداً يضرب أخاك، لم يجز، فإن اقتصرت على مفعول واحد وجب أن يكون مما يسمع) انظر المقتصد شرح الإيضاح 1/597.
[37301]:انظر البحر المحيط 7/23.
[37303]:انظر المحتسب 2/129، الكشاف 3/117، التبيان 2/997، البحر المحيط 7/23.
[37304]:وهو (يسمع) من "يسمعونكم".
[37305]:المقصود به جملة "تدعون" فهي في محل جر بإضافة (إذ) إليها.
[37306]:انظر البحر المحيط 7/23.
[37307]:في الكشاف: هل سمعوا أو أسمعوا قط.
[37308]:الكشاف 3/117.
[37309]:عند قوله تعالى: {وإذ تأذن ربًّك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} [الأعراف: 167]. انظر اللباب 4/115-116.
[37310]:في تفسير ابن عطية: "إذ تدعون".
[37311]:تفسير ابن عطية 11/121.
[37312]:في ب: وجلدت في جلدة. وهو تحريف.
[37313]:انظر الممتع: 1/356-359.
[37314]:البحر المحيط 7/23. بتصرف يسير.