{ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ } لأنك أديت ما عليك ، من الدعوة والبلاغ ، فإذا لم يهتد ، فقد وجب أجرك على اللّه ، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه ، لأنه لو كان فيه خير ، لهداه اللّه .
ولا تحزن أيضا ، على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة ، ونابذوك المحاربة ، واستمروا على غيهم وكفرهم ، ولا تتحرق عليهم ، بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب .
فإن { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا } من كفرهم وعداوتهم ، وسعيهم في إطفاء نور اللّه وأذى رسله .
{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } التي ما نطق بها الناطقون ، فكيف بما ظهر ، وكان شهادة ؟ "
وقوله - تعالى - : { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ . . . } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم .
أى : ومن استمر أيها الرسول - على كفره بعد أن بلغته رسالتنا ودعوتنا ، فلا يحزنك بعد ذلك بقاؤه على كفره وضلاله ، فأنت عليك البلاغ ، ونحن علينا الحساب ، وإنك لا تهدى من أحببت ، ولكن الله يهدى من يشاء .
وقوله - سبحانه - : { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عملوا } بيان لسوء مصيرهم .
أى : إلينا وحدنا مرجع هؤلاء الكافرين ، فنخبرهم بما عملوه فى الدنيا من أعمال سيئة ، ونجازيهم عليها بما يستحقونه من عقاب .
{ إِنَّ الله } - تعالى - { عَلِيمٌ } علما تاما { بِذَاتِ الصدور } أى : بمكنونات الصدور وخفاياها . .
( ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم ، فننبئهم بما عملوا ، إن الله عليم بذات الصدور . نمتعهم قليلا ، ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) . .
تلك نهاية من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن . وهذه نهاية من يكفر ويخدعه متاع الحياة . نهايته في الدنيا تهوين شأنه على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى المؤمنين . ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ) . . فشأنه أهون من أن يحزنك ، وأصغر من أن يهمك . . ونهايته في الأخرى التهوين من شأنه كذلك . وهو في قبضة الله لا يفلت وهو مأخوذ بعمله ، والله أعلم بما عمل وبما يخفيه في صدره من نوايا : ( إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا . إن الله عليم بذات الصدور ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوَاْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ * نُمَتّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمّ نَضْطَرّهُمْ إِلَىَ عَذَابٍ غَلِيظٍ } .
يقول تعالى ذكره : ومن كفر بالله فلا يحزنك كفره ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرة ، فإنّ مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة إلينا ، ونحن نخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا ، ثم نجازيهم عليها جزاءهم إنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُرِ يقول : إن الله ذو علم بما تكنه صدورهم من الكفر بالله ، وإيثار طاعة الشيطان .
ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره لا يحزن لذلك بل يعمد لما كفله من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى ، وقرأ ت فرقة «يُحزنك » من الرباعي ، وقرأت فرقة «يَحزنك » من الثلاثي ، و «ذات الصدور » ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء ، ومن ذلك قولهم «الذئب مغبوط بذي بطنه »{[9381]} ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه «ذو بطن بنت خارجة » .