{ 10-14 } { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }
يقول تعالى : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } أي : قاتل الله الذين كذبوا على الله ، وجحدوا آياته ، وخاضوا بالباطل ، ليدحضوا به الحق ، الذين يقولون على الله ما لا يعلمون .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة المكذبين فقال : { قُتِلَ الخراصون الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } .
والخراصون : جمع خرَّاص ، وأصل الخَرْص : الظن والتخمين ، ومنه الخارص الذى يخرص النخلة ليقدر ما عليها من ثمر ، والمراد به هنا : الكذب ، لأنه ينشأ غالبا عن هذا الخرص ، والمراد بالآية الدعاء عليهم باللعن والطرد من رحمة الله - تعالى .
أى : لعن وطرد من رحمة الله - تعالى - هؤلاء الكذابون ، الذين قالوا فى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما هو منزه عنه . . .
ثم يصور لهم ذلك اليوم في مشهد حي تتملاه العيون :
( قتل الخراصون . الذين هم في غمرة ساهون . يسألون : أيان يوم الدين ? يوم هم على النار يفتنون . ذوقوا فتنتكم ، هذا الذي كنتم به تستعجلون ) . .
والخرص : الظن والتقدير الجزاف الذي لا يقوم على ميزان دقيق . والله - سبحانه - يدعوا عليهم بالقتل . فيا للهول ! ودعوة الله عليهم بالقتل قضاء بالقتل ! ( قتل الخراصون )
وقوله : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } قال مجاهد : الكذابون . قال : وهي مثل التي في عبس : { قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] ، والخراصون الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } أي : لعن المرتابون .
وهكذا كان معاذ ، رضي الله عنه ، يقول في خطبه : هلك المرتابون . وقال قتادة : الخراصون أهل الغرة والظنون .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُتِلَ الْخَرّاصُونَ * الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لُعِن المتكهنون الذين يتخرّصون الكذب والباطل فيتظننونه .
واختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله قُتِلَ الخَرّاصُونَ فقال بعضهم : عُنَي به المرتابون . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قُتِلَ الخَرّاصُونَ يقول : لعن المُرتابون .
وقال آخرون في ذلك بالذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُتِلَ الخَرّاصُونَ قال : الكهنة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قُتِلَ الخَرّاصُونَ قال : الذين يتخرّصون الكذب كقوله في عبس قُتِلَ الإنْسانُ ، وقد حدثني كل واحد منهما بالإسناد الذي ذكرت عنه ، عن مجاهد ، قوله : قُتِلَ الخَرّاصُونَ قال : الذين يقولون : لا نُبْعَث ولا يُوقِنون .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قُتِلَ الخَرّاصُونَ : أهل الظنون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُتِلَ الخَرّاصُونَ قال : القوم الذين كانوا يتخرّصون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت طائفة : إنما هو ساحر ، والذي جاء به سحر . وقالت طائفة : إنما هو شاعر ، والذي جاء به شعر وقالت طائفة : إنما هو كاهن ، والذي جاء به كهانة وقالت طائفة أساطِيرُ الأوّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلاً يتخرّصون على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : { قتل الخراصون } دعاء عليهم ، كما تقول : قاتلك الله وقتلك الله ، وعقرى حلقى{[10587]} ونحوه ، وقال بعض المفسرين معناه : لعن الخراصون ، وهذا تفسير لا تعطيه اللفظة . والخراص : المخمن القائل بظنه فتحته الكاهن والمرتاب وغيره ممن لا يقين له ، والإشارة إلى مكذبي محمد على كل جهة من طرقهم{[10588]} .