ثم سلى الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه فقال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين } .
وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : فإن استمر هؤلاء المشركون في إعراضهم عن دعوتك بعد هذا البيان والامتنان ، فلا لوم عليك ، فأنت عليك البلاغ الواضح ، ونحن علينا محاسبتهم ، ومعاقبتهم بما يستحقون من عقاب .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عما أرسلتك به إليهم من الحقّ ، فلم يستجيبوا لك وأعرضوا عنه ، فما عليك من لوم ولا عذل ؛ لأنك قد أدّيت ما عليك في ذلك ، إنه ليس عليك إلاّ بلاغهم ما أرسلت به . ويعني بقوله المُبِينُ : الذي يبين لمن سمعه حتى يفهمه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عما أرسلتك به إليهم من الحقّ، فلم يستجيبوا لك وأعرضوا عنه، فما عليك من لوم ولا عذل؛ لأنك قد أدّيت ما عليك في ذلك، إنه ليس عليك إلاّ بلاغهم ما أرسلت به. ويعني بقوله "المُبِينُ": الذي يبين لمن سمعه حتى يفهمه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية له عما كان يلحقه عند تولي الكفار عن الحق الذي يلزمهم، وإعراضهم عن القبول منه "فإن تولوا"، هؤلاء الكفار، وأعرضوا عنك، فإنه لا يلزمك تقصير من أجل ذلك؛ لأن الذي يلزمك "البلاغ المبين"، يعني: الظاهر الذي يتمكنون معه من معرفته، وقد فعلته.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إذا بَلَّغْتَ الرسالة فما جعلنا إليك حكم الهداية والضلالة...
أي: فإن تولوا يا محمد وأعرضوا وآثروا لذات الدنيا ومتابعة الآباء والمعاداة في الكفر فعلى أنفسهم جنوا ذلك، وليس عليك إلا ما فعلت من التبليغ التام...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فلما صار هذا البيان، إلى أجلى من العيان، كان ربما وقع في الوهم أنهم إن لم يجيبوا لحقَ الداعي بسبب إعراضهم حرج، فقال تعالى نافياً لذلك معرضاً عنهم إعراض المغضب، مقبلاً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إقبال المسلي، معبراً بصيغة التفعل المفهمة؛ لأن الفطر الأولى داعية إلى الإقبال على الله، فلا يعرض صاحبها عما يرضيه سبحانه إلا بنوع معالجة: {فإن تولوا}، أي: كلفوا أنفسهم الإعراض ومتابعة الأهواء، فلا تقصير عليك بسبب توليهم ولا حرج، {فإنما}، أي: بسبب أنه إنما {عليك البلاغ المبين}، وليس عليك أن تردهم عن العناد،...
... الدين لا يقوم على السيطرة على القالب، وفرق بين السيطرة على القالب والسيطرة على القلب... والله يريد منا القلوب لا القوالب، ولو أراد منا القوالب لجعلها راغمة خاضعة لا يشذ منها واحد عن مراده سبحانه...
فمنهج الله كامل، فلو لم تأخذوه ديناً لوجب عليكم أن تأخذوه نظاماً...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَإِن تَوَلَّوْاْ}، وأعرضوا وانصرفوا عنك وعن دعوتك، ورفضوا التأمُّل والتدبُّر، في ما أردت لهم أن يعرفوه ويفهموه، من خلال العظمة المتمثلة في الكون، والنعمة المتمثلة في الحياة، والوحي المنزّل عليهم من الله، وأصرّوا على الاستمرار في غفلتهم وعنادهم؛ لأنهم لا يريدون أن يغيروا ما هم عليه من الكفر والشرك والضلال...
{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، فإذا أبلغتهم رسالات الله، ودعوتهم إلى دينه، فقد أديت ما عليك، ويبقى علينا الحساب الذي يواجههم غداً يوم القيامة، بعد أن قامت عليهم الحجة، وحقت عليهم كلمة الله...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ومع كل ما يمتلكه المتكلم من منطق سليم ومدعمٌّ بالاستدلال الحق والجاذبية، إِلاّ أنّه لا يؤثر في المخاطب ما لم يكن مستعداً لاستماع وقبول كلام المتكلم، وبعبارة أُخرى: إِنّ قابلية المحل شرط في حصول التأثر...
وعلى هذا، فإِنْ لم يسلم لك أصحاب القلوب العمياء، ومَنْ امتاز بالتعصب والعناد، فذلك ليس بالأمر الجديد، وما عليك إِلاّ أن تصدع ببلاغ مبين، وأنْ لا تقصر في ذلك...