القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَذَاقَهُمُ اللّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فعجل الله لهؤلاء الأمم الذين كذّبوا رسلهم الهوان في الدنيا ، والعذاب قبل الاَخرة ، ولم ينظِرهم إذ عتوا عن أمر ربهم وَلَعَذابُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ يقول : ولعذاب الله إياهم في الاَخرة إذا أدخلهم النار ، فعذّبهم بها ، أكبر من العذاب الذي عذّبهم به في الدنيا ، لو كانوا يعلمون يقول : لو علم هؤلاء المشركون من قريش ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فأذاقهم الله الخزي} يعني العذاب.
{في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر} مما أصابهم في الدنيا.
{لو كانوا يعلمون} ولكنهم لا يعلمون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فعجل الله لهؤلاء الأمم الذين كذّبوا رسلهم الهوان في الدنيا، والعذاب قبل الآخرة، ولم ينظِرهم إذ عتوا عن أمر ربهم "وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ "يقول: ولعذاب الله إياهم في الآخرة إذا أدخلهم النار، فعذّبهم بها، أكبر من العذاب الذي عذّبهم به في الدنيا، لو كانوا يعلمون يقول: لو علم هؤلاء المشركون من قريش ذلك.
لما بين أنه أتاهم العذاب في الدنيا، بين أيضا أنه أتاهم الخزي وهو الذل والصغار والهوان، والفائدة في ذكر هذا القيد أن العذاب التام هو أن يحصل فيه الألم... مقرونا بالهوان والذل.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين سفههم وشدة حمقهم باستعجالهم بالعذاب استهزاء، سبب عنه تبكيت من لم يتعظ بحالهم فقال: {فأذاقهم الله} أي الذي لا راد لأمره.
{الخزي} أي الذل الناشئ عن الفضيحة والعذاب الكبير بما أرادوه من إخزاء الرسل بتكذبيهم.
{في الحياة الدنيا} أي العاجلة الدنية.
ولما كان انتظار الفرج مما يسلي، قال معلماً أن عذابهم دائم على سبيل الترقي إلى ما هو أشد، وأكده لإنكارهم إياه: {ولعذاب الآخرة} أي الذي انتقلوا إليه بالموت ويصيرون إليه بالبعث.
{أكبر} من العذاب الذي أهلكهم في الدنيا وأشدهم إخزاء، فالآية من الاحتباك: ذكر الخزي أولاً دليلاً على إرادته ثانياً، والأكبر ثانياً دليلاً على الكبير أولاً، وسره تغليظ الأمر عليهم بالجمع بين الخزي والعذاب بما فعلوا برسله عليهم الصلاة والسلام بخلاف ما يأتي في فصلت. فإن سياقه للطعن في الوحدانية، وهي لكثرة أدلتها وبعدها عن الشكوك وعظيم المتصف بها، وعدم تأثيره بشيء يكفي في نكال الكافر به مطلق العذاب.
ولما كان من علم أن فعله يورث نكالاً كف عنه ولا يكفون ولا يتعظون قال: {لو كانوا يعلمون} أي لو كان لهم علم ما، لعلموا أنه أكبر فاتعظوا وآمنوا، ولكنه لا علم لهم أصلاً، بل هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً؛ لأن الجزئيات لا تنفعهم كما تنفع سائر الحيوانات، فإن الشاة ترى الذئب فتنفر منه إدراكاً؛ لأن بينها وبينه عداوة بما خلق الله في طبعه من أكل أمثالها، وهؤلاء يرون ما حل بأمثالهم من العذاب لتكذيبهم الرسل فلا يفرون منه إلى التصديق...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استعارة الإِذاقة لإِهانة الخزي، تخييلية وهي من تشبيه المعقول بالمحسوس. وعطف عليه {ولعذاب الآخرة أكبر} للاحتراس، أي أن عذاب الآخرة هو الجزاء، وأما عذاب الدنيا فقد يصيب الله به بعض الظلمة زيادة خزي لهم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) كلمة (أكبر) كناية عن شدّة العذاب وقسوته...