نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلۡخِزۡيَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (26)

ولما بين سفههم وشدة حمقهم باستعجالهم بالعذاب استهزاء ، سبب عنه تبكيت من لم يتعظ بحالهم فقال : { فأذاقهم الله } أي الذي لا راد لأمره { الخزي } أي الذل الناشئ عن الفضيحة والعذاب الكبير بما أرادوه من إخزاء الرسل بتكذبيهم { في الحياة الدنيا } أي العاجلة الدنية .

ولما كان انتظار الفرج مما يسلي ، قال معلماً أن عذابهم دائم على سبيل الترقي إلى ما هو أشد ، وأكده لإنكارهم إياه : { ولعذاب الآخرة } أي الذي انتقلوا إليه بالموت ويصيرون إليه بالبعث : { أكبر } من العذاب الذي أهلكهم في الدنيا ، وأشدهم إخزاء ، فالآية من الاحتباك : ذكر الخزي أولاً دليلاً على إرادته ثانياً ، والأكبر ثانياً دليلاً على الكبير أولاً ، وسره تغليظ الأمر عليهم بالجمع بين الخزي والعذاب بما فعلوا برسله عليهم الصلاة والسلام بخلاف ما يأتي في فصلت . فإن سياقه للطعن في الوحدانية ، وهي لكثرة أدلتها وبعدها عن الشكوك وعظيم المتصف بها وعدم تأثيره بشيء يكفي في نكال الكافر به مطلق العذاب .

ولما كان من علم أن فعله يورث نكالاً كف عنه ولا يكفون ولا يتعظون قال : { لو كانوا يعلمون * } أي لو كان لهم علم ما لعلموا أنه أكبر فاتعظوا وآمنوا ، ولكنه لا علم لهم أصلاً ، بل هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ، لأن الجزئيات لا تنفعهم كما تنفع سائر الحيوانات ، فإن الشاة ترى الذئب فتنفر منه إدراكاً لأن بينها وبينه عداوة بما خلق الله في طبعه من أكل أمثالها ، وهؤلاء يرون ما حل بأمثالهم من العذاب لتكذيبهم الرسل فلا يفرون منه إلى التصديق .