{ ذَلِكَ } الأخذ من أسبابه { بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات } أى : بالدلائل الواضحات على صدقهم فيما يبلغونهم عن ربهم .
{ فَكَفَرُواْ } أى : بالرسل وبما جاءوهم به { فَأَخَذَهُمُ الله } أى : فأهلكهم - سبحانه - { إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب } أى : إنه - سبحانه - قوى لا يحول بين ما يريد أن يفعله حائل ، شديد العقاب لمن كفر به ، وأعرض عن دعوة رسله .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا أنواعا متعددة من مظاهر قدرة الله ، ومن أهوال يوم القيامة ، ومن علمه الشامل لكل شئ ، ومن قضائه العادل ومن أخذه للظالمين أخذ عزيز مقتدر .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانَت تّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ إِنّهُ قَوِيّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
يقول تعالى ذكره : هذا الذي فعلت بهؤلاء الأمم الذين من قبل مشركي قريش من إهلاكناهم بذنوبهم فعلنا بهم بأنهم كانت تأتيهم رسل الله إليهم بالبينات ، يعني بالاَيات الدالات على حقيقة ما تدعوهم إليه من توحيد الله ، والانتهاء إلى طاعته فَكَفَرُوا يقول : فأنكروا رسالتها ، وجحدوا توحيد الله ، وأبوا أن يطيعوا الله فأخَذَهُمُ اللّهُ يقول : فأخذهم الله بعذابه فأهلكهم إنّهُ قَوِيّ شَديدُ العِقابِ يقول : إن الله ذو قوّة لا يقهره شيء ، ولا يغلبه ، ولا يعجزه شيء أراده ، شديد عقابه من عاقب من خلقه وهذا وعيد من الله مشركي قريش ، المكذّبين رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يقول لهم جلّ ثناؤه : فاحذروا أيها القوم أن تسلكوا سبيلهم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وجحود توحيد الله ، ومخالفة أمره ونهيه فيسلك بكم في تعجيل الهلاك لكم مسلَكَهم .
وأفاد المضارع في قوله : { تأتيهم } تجدد الإتيان مرة بعد مرة لمجموع تلك الأمم ، أي يأتي لكل أمة منهم رسول ، فجمع الضمير في { تأتيهم } و { رسلهم } وجمع الرسل في قوله : { رسلهم } من مقابلة الجمع بالجمع ، فالمعنى : أن كل أمة منهم أتاها رسول . ولم يؤت بالمضارع في قوله : { فكفروا } لأن كفر أولئك الأمم واحد وهو الإِشراك وتكذيب الرسل .
وكرر قوله : { فأخَذَهُمُ الله } بعد أن تقدم نظيره في قوله : { فأخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِم } الخ إطناباً لتقرير أخذ الله إياهم بكفرهم برسلهم ، وتهويلاً على المنذَرين بهم أن يُساوُوهم في عاقبتهم كما سَاوَوْهم في أسبابها .
وجملة : { إنَّه قَوِيٌّ شَدِيد العِقَابِ } تعليل وتبيين لأخذ الله إياهم وكيفيته وسرعة أخذه المستفادة من فاء التعقيب ، فالقويّ لا يعجزه شيء فلا يعطل مراده ولا يتريث ، و { شديد العقاب } بيان لذلك الأخذ على حد قوله تعالى : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [ القمر : 42 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذلك} العذاب إنما نزل بهم {بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} يعني بالبيان.
{فكفروا} بالتوحيد {فأخذهم الله} بالعذاب.
{إنه قوي} في أمره {شديد العقاب} إذا عاقب يعني عقوبة الأمم الخالية.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلت بهؤلاء الأمم الذين من قبل مشركي قريش من إهلاكناهم بذنوبهم، فعلنا بهم بأنهم كانت تأتيهم رسل الله إليهم بالبينات، يعني بالآيات الدالات على حقيقة ما تدعوهم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى طاعته، "فَكَفَرُوا "يقول: فأنكروا رسالتها، وجحدوا توحيد الله، وأبوا أن يطيعوا الله "فأخَذَهُمُ اللّهُ" يقول: فأخذهم الله بعذابه فأهلكهم. "إنّهُ قَوِيّ شَديدُ العِقابِ" يقول: إن الله ذو قوّة لا يقهره شيء، ولا يغلبه، ولا يعجزه شيء أراده، شديد عقابه من عاقب من خلقه. وهذا وعيد من الله مشركي قريش، المكذّبين رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم يقول لهم جلّ ثناؤه: فاحذروا أيها القوم أن تسلكوا سبيلهم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وجحود توحيد الله، ومخالفة أمره ونهيه فيسلك بكم في تعجيل الهلاك لكم مسلَكَهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر سبحانه أخذهم ذكر سببه بما حاصله أن الاستهانة بالرسول استهانة بمن أرسله في قوله: {ذلك} أي الأخذ العظيم.
ولما كان مقصود السورة تصنيف الناس في الآخرة صنفين، فكانوا إحدى عمدتي الكلام، أتى بضميرهم فقال: {بأنهم} أي الذين كانوا من قبل {كانت تأتيهم} أي شيئاً فشيئاً في الزمان الماضي على وجه قضاه سبحانه فأنفذه.
{رسلهم} أي الذين هم منهم {بالبينات} أي الآيات الدالة على صدقهم دلالة هي من وضوح الأمر بحيث لا يسع منصفاً إنكارها.
ولما كان مطلق الكفر كافياً في العذاب، عبر بالماضي فقال: {فكفروا} أي سببوا عن إتيان الرسل عليهم الصلاة والسلام الكفر موضع ما كان إتيانهم سبباً له من الإيمان ولما سبب لهم كفرهم الهلاك قال: {فأخذهم} أي أخذ غضب {الله} أي الملك الأعظم.
ولما كان اجتراؤهم على العظائم فعل منكر للقدرة، قال مؤكداً لعملهم عمل من لا يخافه: {إنه قوي} لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء {شديد العقاب}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأفاد المضارع في قوله: {تأتيهم} تجدد الإتيان مرة بعد مرة لمجموع تلك الأمم، أي يأتي لكل أمة منهم رسول، فجمع الضمير في {تأتيهم} و {رسلهم} وجمع الرسل في قوله: {رسلهم} من مقابلة الجمع بالجمع، فالمعنى: أن كل أمة منهم أتاها رسول. ولم يؤت بالمضارع في قوله: {فكفروا} لأن كفر أولئك الأمم واحد وهو الإِشراك وتكذيب الرسل.
وكرر قوله: {فأخَذَهُمُ الله} بعد أن تقدم نظيره في قوله: {فأخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِم} الخ إطناباً لتقرير أخذ الله إياهم بكفرهم برسلهم، وتهويلاً على المنذَرين بهم أن يُساوُوهم في عاقبتهم كما سَاوَوْهم في أسبابها. وجملة: {إنَّه قَوِيٌّ شَدِيد العِقَابِ} تعليل وتبيين لأخذ الله إياهم وكيفيته وسرعة أخذه المستفادة من فاء التعقيب، فالقويّ لا يعجزه شيء فلا يعطل مراده ولا يتريث، و {شديد العقاب} بيان لذلك الأخذ على حد قوله تعالى: {فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر} [القمر: 42]...