نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (22)

ولما ذكر سبحانه أخذهم ذكر سببه بما حاصله أن الاستهانة بالرسول استهانة بمن أرسله في قوله : { ذلك } أي الأخذ العظيم ولما كان مقصود السورة تصنيف الناس في الآخرة صنفين ، فكانوا إحدى عمدتي الكلام ، أتى بضميرهم فقال : { بأنهم } أي الذين كانوا من قبل { كانت تأتيهم } أي شيئاً فشيئاً في الزمان الماضي على وجه قضاه سبحانه فأنفذه { رسلهم } أي الذين هم منهم { بالبينات } أي الآيات الدالة على صدقهم دلالة هي من وضوح الأمر بحيث لا يسع منصفاً إنكارها .

ولما كان مطلق الكفر كافياً في العذاب ، عبر بالماضي فقال : { فكفروا } أي سببوا عن إتيان الرسل عليهم الصلاة والسلام الكفر موضع ما كان إتيانهم سبباً له من الإيمان .

ولما سبب لهم كفرهم الهلاك قال : { فأخذهم } أي أخذ غضب { الله } أي الملك الأعظم . ولما كان قوله { فكفروا } معلماً بسبب أخذهم لم يقل : بكفرهم ، كما قال سابقاً : بذنوبهم ، لإرشاد السباق إليه . ولما كان اجتراؤهم على العظائم فعل منكر للقدرة ، قال مؤكداً لعملهم عمل من لا يخافه : { إنه قوي } لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { شديد العقاب * } .