وقوله : " قالَ كَذَلكَ أتَتْكَ آياتنا فَنَسِيتَها " يقول تعالى ذكره ، قال الله حينئذٍ للقائل له : " لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا " : فعلت ذلك بك ، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتي ، وهي حججه وأدلته وبيانه الذي بيّنه في كتابه ، فنسيتها : يقول : فتركتها وأعرضت عنها ، ولم تؤمن بها ، ولم تعمل . وعنى بقوله كَذَلكَ أتَتْك هكذا أتتكَ .
وقوله : " وكذلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " يقول : فكما نسيت آياتنا في الدنيا ، فتركتها وأعرضت عنها ، فكذلك اليوم ننساك ، فنتركك في النار .
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله " وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " فقال بعضهم بمثل الذي قلنا في ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال ، حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : " وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " قال : في النار .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " كَذَلكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها " قال : فتركتها وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى وكذلك اليوم تترك في النار .
حدثني بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قالَ " كَذَلكَ أتَتَكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلكَ اليَوْمَ تُنْسَى " قال : نسي من الخير ، ولم ينس من الشرّ .
وهذا القول الذي قاله قَتادة قريب المعنى مما قاله أبو صالح ومجاهد ، لأن تركه إياهم في النار أعظم الشرّ لهم .
جملة { قال كذلك أتتك } الخ واقعة في طريق المحاورة فلذلك فصلت ولم تعطف .
وفي هذه الآية دليل على أنّ الله أبلغ الإنسان من يوم نشأته التحذير من الضلال والشرك ، فكان ذلك مستقراً في الفطرة حتى قال كثير من علماء الإسلام : بأن الإشراك بالله من الأمم التي يكون في الفتر بين الشرائع مستحق صاحبه العقاب ، وقال جماعة من أهل السنّة والمعتزلة قاطبة : إنّ معرفة الله واجبة بالعقل ، ولا شك أنّ المقصود من ذكرها في القرآن تنبيه المخاطبين بالقرآن إلى الحذر من الإعراض عن ذكر الله ، وإنذار لهم بعاقبة مثل حالهم .
والإشارة في { كذلك أتتك آياتنا } راجعة إلى العمى المضمن في قوله { لم حشرتني أعمى } ، أي مثل ذلك الحال التي تساءلت عن سببها كنت نسيت آياتنا حين أتتك ، وكنت تُعرض عن النظر في الآيات حين تُدعى إليه فكذلك الحال كان عقابك عليه جزاءً وفاقاً .
وقد ظهر من نظم الآية أن فيها ثلاثة احتباكات ، وأن تقدير الأول : ونحشره يوم القيامة أعمى ونَنْساه ، أي نُقصيه من رحمتنا . وتقدير الثاني والثالث : قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وعميتَ عنها فكذلك اليوم تنسى وتُحْشَر أعمى .
والنسيان في الموضعين مستعمل كناية أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.