قوله تعالى : { كل من الصالحين وإسماعيل } ، وهو ولد إبراهيم .
قوله تعالى : { واليسع } ، وهو ابن أخطوب ، بن العجوز ، وقرأ حمزة والكسائي واليسع بتشديد اللام ، وسكون الياء هنا وفي ص .
قوله تعالى : { ويونس } ، وهو يونس بن متى .
قوله تعالى : { ولوطاً } ، وهو لوط بن هاران ، ابن أخي إبراهيم .
قوله تعالى : { وكلاً فضلنا على العالمين } ، أي : عالمي زمانهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل ، وهو إسماعيل بن إبراهيم والليسع : هو اليسع بن أخطوب بن العجوز .
واختلف القرّاء في قراءة اسمه ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق : واليَسَعَ بلام واحدة مخففة . وقد زعم قوم أنه «يفعل » ، من قول القائل : وَسِعَ يَسَعُ ، ولا تكاد العرب تُدخِلُ الألف واللام على اسم يكون على هذه الصورة ، أعني : على «يَفْعل » ، لا يقولون : رأيت اليزيد ، ولا أتاني التجيب ، ولا مررت باليشكر ، إلا في ضرورة شعر ، وذلك أيضا إذا تُحُرّي به المدح ، كما قال بعضهم :
وَجَدْنا الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدَ مُبارَكا ***شَدِيدا بأعْباءِ الخِلاَفَةِ كاهِلُهْ
فأدخل في «اليزيد » الألف واللام ، وذلك لإدخاله إياهما في الوليد ، فأتبعه اليزيد بمثل لفظه .
وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفيين : واللّيْسَعَ بلامين وبالتشديد ، وقالوا : إذا قرىء كذلك كان أشبه بأسماء العجم . وأنكروا التخفيف وقالوا : لا نعرف في كلام العرب اسما على «يفعل » فيه ألف ولام .
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلام واحدة مخففة ، لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه دون التشديد ، مع أنه اسم أعجميّ فينطق به على ما هو به . وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام فيما جاء من أسماء العرب على «يفعل » ، وأما الاسم الذي يكون أعجميّا فإنما ينطق به على ما سموا به ، فإن غُير منه شيء إذا تكلمت العرب فإنما يغير بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان ، واللّيسع إذا شدّد لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد . وأخرى أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال : اسمه «ليسع » ، فيكون مشدّدا عند دخول الألف واللام اللتين تدخلان للتعريف ويُونُسَ هو يونس بن متى ولُوطا وكلاّ فَضّلْنا من ذرية نوح ونوحا ، لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له . وفضلنا جميعهم عَلى العَالَمِينَ يعني : على عالم أزمانهم .
{ وإسماعيل واليسع } هو الليسع بن أخطوب . وقرأ حمزة والكسائي " والليسع " وعلى القراءتين هو علم أعجمي أدخل عليه اللام كما أدخل على اليزيد في قوله :
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا *** شديدا بأعباء الخلافة كاهله
{ ويونس } هو يونس بن متى . { ولوطا } هو ابن هاران أخي إبراهيم . { وكل فضلنا على العالمين } بالنبوة ، وفيه دليل على فضلهم على من عداهم من الخلق .
وإسماعيل هو أكبر ولدي إبراهيم عليه السلام وهو من هاجر . [ واليسع ] قال زيد بن أسلم : وهو يوشع بن نون ، وقال غيره : هو أليسع بن أخطوب بن العجوز ، وقرأ جمهور الناس «وأليسع » وقرأ حمزة والكسائي «والليسع » كأن الألف واللام دخلت على فيعل ، قال أبو علي الفارسي : فالألف واللام في «اليسع » زائدة لا تؤثر معنى تعريف لأنها ليست للعهد كالرجل والغلام ولا للجنس كالإنسان والبهائم ولا صفة غالبة كالعباس والحارث ، لأن ذلك يلزم عليه أن يكون «اليسع » فعلاً ، وحينئذ يجري صفة . وإذا كان فعلاً وجب أن يلزمه الفاعل ووجب أن يحكى إذ هي جملة ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللام له إذ اللام لا تدخل على الفعل فلم يبق إلا أن تكون الألف واللام زائدة كما هي زائدة في قولهم :«الخمسة عشر درهماً » ، وفي قول الشاعر : [ الرجز ]
*يا ليت أمَّ العمرِ كَانَتْ صَاحبي*{[1]}
بالعين غير منقوطة ، وفي قوله : [ الطويل ]
وَجَدْنَا الوليدَ بْنَ اليزيدِ مُبَارَكاً . . . شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ{[2]}
قال : وأما الليسع فالألف واللام فيه بمنزلتها في الحارث والعباس لأنه من أبنية الصفات ، لكنها بمنزلة «اليسع » في أنه خارج عما عليه الأسماء الأعجمية إذ لم يجىء فيها شيء هو على هذا الوزن كما لم يجىء منها شيء فيه لام تعريف فهما من الأسماء الأعجمية إلا أنهما مخالفات للأسماء فيما ذكر .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وأما ( اليزيد ) فإنه لما سمي به أزيل منه معنى الفعل وأفردت فيه الاسمية فحصل علماً وزيدت فيه الألف واللام لا لتعريف ، وقال الطبري دخلت الألف واللام إتباعاً للفظ الوليد ، { ويونس } هو ابن متَّى ويقال يونس ويونَس ويونُس وكذلك يوسِف ويوسَف ويوسُف{[3]} وبكسر النون من يونِس والسين من يوسِف قرأ الحسن وابن مصرف وابن وثاب وعيسى بن عمر والأعمش في جميع القرآن و { العالمين } معناه عالمي زمانهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضا من ذرّية نوح إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم، واليسع، ويُونُسَ هو يونس بن متى، ولُوطا "وكلاّ فَضّلْنا "من ذرية نوح ونوحا؛ لهم بيّنا الحقّ ووفقناهم له. وفضلنا جميعهم "عَلى العَالَمِينَ": على عالم أزمانهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وكلا فضلنا على العالمين} وهذا، والله أعلم، ليس على تخصيص كل فريق بما ذكر من الذكر، ولكن على الجمع أنهم محسنون صالحون مفضلون على العالمين. ثم يحتمل التفضيل لهم بالنبوة أنهم فضلوا على العالمين بالنبوة... ثم يحتمل أنه سماهم محسنين باختيارهم الحال التي كانوا أهلا للرسالة والنبوة. فإن كان هذا فهم الرسل خاصة. ويحتمل [قوله تعالى: {المحسنين} [الآية: 84] محسنين] باختيارهم الهداية وإصابة الحق. فإن كان هذا فهو مما يشترك الأنبياء وأهل الإسلام فيه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
..و (كلّ) يقتضي استغراق ما أضيف إليه. وحكم الاستغراق أن يثبت الحكم لكلّ فرد فرد لا للمجموع. والمراد تفضيل كلّ واحد منهم على العالمين من أهل عصره عدا من كان أفضلَ منه أو مساوياً له، فاللاّم في {العالمين} للاستغراق العرفي، فقد كان لوط في عصر إبراهيم وإبراهيم أفضلُ منه. وكان من غيرهما من كانوا في عصر واحد ولا يعرف فضل أحدهم على الآخر. وقال عبد الجبّار: يمكن أن يقال: المراد وكلّ من الأنبياء يُفضّلون على كلّ مَن سواهم من العالمين. ثمّ الكلام بعد ذلك في أنّ أي الأنبياء أفضل من الآخر كلام في غرض آخر لا تعلّق له بالأوّل اه. ولا يستقيم لأنّ مقتضى حكم الاستغراق الحكم على كلّ فردٍ فردٍ. وتتعلّق بهذه الآية مسألة مهمّة من مسائِل أصول الدّين. وهي ثبوت نبوءة الّذين جرى ذكر أسمائهم فيها، وما يترتّب على ثبوت ذلك من أحكام في الإيمان وحقّ النّبوءة. وقد أعرض عن ذكرها المفسّرون وكان ينبغي التّعرّض لها لأنَّها تتفرّع إلى مسائل تهمّ طالب العلوم الإسلاميّة مَعرفتُها، وأحقّ مظِنّة بذكرها هو هذه الآية وما هو بمعنى بعضها. فأمّا ثبوت نبوءة الّذين ذُكرت أسماؤهم فيها فلأنّ الله تعالى قال بعد أن عدّ أسماءهم {أولئك الّذين آتيناهم الكِتاب والحُكم والنّبوءة}. فثبوت النّبوءة لهم أمر متقرّر لأنّ اسم إشارة {أولئك} قريب من النصّ في عوده إلى جميع المسمَّيْنَ قبله مع ما يعضّده ويكمّله من النصّ بنبوءة بعضهم في آيات تماثِل هذه الآية، مثل آية سورة النّساء (163) {إنَّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} الآيات، ومثل الآيات من سورة مريم (41) واذكر في الكتاب إبراهيم الآيات.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
المجموعة الثالثة: هي ذرية إبراهيم من العرب وهم إسماعيل باني الكعبة مع أبيه وابنه البكر، والذبيح الذي فداه الله تعالى بذبح عظيم، وقد قال: يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله مع الصابرين واليسع ويونس، ولوط وكان ابن أخيه فكان من ذريته بهذا الاعتبار.
وكان من صلب إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا كان لهم فضل فوق كل فضل سبقه، لأنه اجتمع في محمد صلى الله عليه وسلم والصبر والاقدام في موطن الإقدام والروحانية بما لا يقل عن روحانية عيسى، ولذلك قال تعالى: (وكلا فضلنا على العالمين) أي أن كل واحد من هؤلاء كان له فضل على العالمين بفضل الله تعالى والله ذو فضل عظيم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
.. {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً}، وقد ابتلاهم الله بظروف صعبةٍ، ومشاكل معقدة في حياتهم، وواجهوا ذلك كله بالإيمان والصبر والمسؤولية العالية، حتى استطاعوا أن يقدّموا من أنفسهم النموذج الأمثل للإنسان المؤمن الصابر أمام المصاعب والتحديات، والواثق بالله في ما ينتظره من فرج وانتصار. وقد قدّم الله سبحانه لكل نموذج من هؤلاء وصفاً خاصاً يتناسب مع طبيعة الدور الذي أوكله إليه.. فمع النموذج الأوّل جاءت فقرة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} في ما تفرضه حركة السلطة العادلة والقوّة المسؤولة من إحسانٍ للناس في تقديم العدالة لهم، وتقوية ضعفهم. وفي النموذج الثاني، جاءت فقرة: {كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} في ما توحي به كلمة الصلاح من معانٍ روحيّةٍ تلتقي بالصفاء والوداعة والربّانية في القول وفي العمل، والزهد في مواجهة شهوات الدنيا.. وفي النموذج الثالث: {وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} لما يحتويه البلاء من اختبارٍ للطاقة الروحية، وفي ما ينتهي إليه من انتصارٍ على تحدياته ومشاكله، وفي ما ينطلق معه من مواقف وتطلعات، ما يعطي معنى الفضل على الجوّ الذي يحيط بهم، والتفضيل على الناس الذين يعيشون معهم..