الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

قوله : " واليَسَع " قرأ الجمهور : " الْيَسَعَ " بلام واحدة وفتح الياء بعدها ، وقرأ الأخوان : اللَّيْسَع ، بلامٍ مشدَّدة وياء ساكنة بعدها ، فقراءةُ الجمهور فيها تأويلان ، أحدهما : أنه منقولٌ من فعل مضارع ، والأصل : يَوْسَع كيَوْعِد ، فوقعت الواو بين ياء وكسرة تقديرية ، لأن الفتحة إنما جيء بها لأجل حرف الحلق فحُذِفَتْ لحَذْفها في يَضَع ويَدَع ويَهَب وبابه ، ثم سُمِّي به مجرداً عن ضمير ، وزيدت فيه الألف واللام على حَدِّ زيادتها في قوله :

رأيت الوليدَ بنَ اليزيد مبارَكاً *** شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ

وكقوله :

باعَدَ أمَّ العمروِ من أسيرِها *** حُرَّاسُ أبوابٍ على قصورِها

وقيل : الألف واللام فيه للتعريف كأنه قدَّر تنكيره . والثاني : أنه اسمٌ أعجمي لا اشتقاق له ، لأن اليسع يقال له يوشع بن نون فتى موسى ، فالألفُ واللام فيه زائدتان أو مُعَرِّفتان كما تقدَّم قبل ذلك ، وهل " أل " لازمةٌ له على تقدير زيادتها ؟ فقال الفارسي : إنها لازمة شذوذاً كلزومها في " الآن " وقال ابن مالك : " ما قارنت الأداة نَقْلَه كالنصر والنعمان ، أو ارتجاله كاليسع والسموءل فإنَّ الأغلب ثبوتُ أل فيه ، وقد تُحْذف " .

وأمَّا قراءةُ الأخوين فأصله لَيْسَع ك ضَيْغَم وَصَيْرَف وهو اسم أعجمي ، ودخولُ الألفِ واللام فيه على الوجهين المتقدمين . واختار أبو عبيد قراءة التخفيف فقال : " سمعنا اسم هذا النبيّ في جميع الأحاديث : اليسع ، ولم يُسَمِّه أحدٌ منهم اللَّيْسع " وهذا لا حجةَ فيه لأنه روي اللفظ بأحد لغتيه ، وإنما آثروا الرواة هذه اللفظة لخفتها لا لعدم صحة الأخرى . وقال الفراء في قراءة التشديد : " هي أشبه بأسماء العجم " . وقد تَقَدَّم أنَّ في نون " يونس " ثلاثَ لغات وكذلك في سين يوسف .

قوله : " وكلاَّ فَضَّلْنا " كقوله : " كلاًّ هَدَيْنَا " .