البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ} (86)

{ وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً } المشهور أن إسماعيل هو ابن إبراهيم من هاجر وهو أكبر ولده ، وقيل : هو نبي من بني إسرائيل كان زمان طالوت وهو المعنى بقوله { إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله } واليسع قال زيد بن أسلم : هو يوشع بن نون ، وقال غيره : هو اليسع بن أخطوب بن العجوز ، وقرأ الجمهور واليسع كأن أل أدخلت على مضارع وسع ، وقرأ الأخوان والليسع على وزن فيعل نحو الضيغم واختلف فيه أهو عربي أم عجمي ، فأما على قراءة الجمهور وقول من قال : إنه عربي فقال : هو مضارع سمي به ولا ضمير فيه فأعرب ثم نكر وعرف بأل ، وقيل سمي بالفعل كيزيد ثم أدخلت فيه أل زائدة شذوذاً كاليزيد في قوله :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً *** ولزمت كما لزمت في الآن ، ومن قال : إنه أعجمي فقال : زيدت فيه أل ولزمت شذوذاً ، وممن نص على زيادة أل في اليسع أبو عليّ الفارسي وأما على قراءة الأخوين فزعم أبو عليّ أن أل فهي كهي في الحارث والعباس ، لأنهما من أبنية الصفات لكن دخول أل فيه شذوذ عن ما عليه الأسماء الأعجمية إذ لم يجيء فيها شيء على هذا الوزن كما لم يجيء فيها شيء فيه أل للتعريف ، وقال أبو عبد الله بن مالك الجياني ، ما قارنت أل نقله كالمسمى بالنضر أو بالنعمان أو ارتجاله كاليسع والسموأل ، فإن الأغلب ثبوت أل فيه وقد يجوز أن يحذف فعلى هذا لا تكون أل فيه لازمة واتضح من قوله : إن اليسع ليس منقولاً من فعل كما قال بعضهم ، وتقدّم أنه قال : يونس بضم النون وفتحها وكسرها وكذلك يوسف وبفتح النون وسين يوسف قرأ الحسن وطلحة ويحيى والأعمش وعيسى بن عمر في جميع القرآن وإنما جمع هؤلاء الأربعة لأنهم لم يبق لهم من الخلق أتباع ولا أشياع فهذه مراتب ست : مرتبة الملك والقدرة ذكر فيها داود وسليمان ، ومرتبة البلاء الشديد ، ذكر فيها أيوب ، ومرتبة الجمع بين البلاء والوصول إلى الملك ذكر فيها يوسف ، ومرتبة قوة البراهين والمعجزات والقتال والصولة ذكر فيها موسى وهارون ، ومرتبة الزهد الشديد والانقطاع عن الناس للعبادة ذكر فيها زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، ومرتبة عدم الاتباع ذكر فيها إسماعيل واليسع ويونس ولوطاً ، وهذه الأسماء أعجمية لا تجر بالكسرة ولا تنون إلا اليسع فإنه يجر بها ولا ينون وإلا لوطاً فإنه مصروف لخفة بنائه بسكون وسطه ، وكونه مذكراً وإن كان فيه ما في إخوته من مانع الصرف وهو العلمية والعجمة الشخصية وقد تحاشى المسلمون هذا الاسم الشريف ، فقلّ من تسمى به منهم كأبي مخنف لوط بن يحيى ، ولوط النبي هو لوط بن هارون بن آزر وهو تارخ وتقدّم رفع نسبه .

{ وكلاًّ فضلنا على العالمين } فيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الأولياء خلافاً لبعض من ينتمي إلى الصوف في زعمهم أن الولي أفضل من النبي كمحمد بن العربي الحاتمي صاحب كتاب الفتوح المكية وعنقاء مغرب وغيرهما من كتب الضلال ، وفيه دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة لعموم العالمين وهم الموجودون سوى الله تعالى فيندرج في العموم الملائكة .

قال ابن عطية : معناه عالمي زمانهم .