ثم بين - سبحانه - أن موسى قد أخبر قومه أن ضرر كفرهم إنما يعود عليهم ، لأن الله - تعالى - غنى عن العالمين فقال - تعالى - : { وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } .
أى : وقال موسى - عليه السلام - لقومه : إن تجحدوا نعم الله أنتم ومن فى الأرض جميعا من الخلائق ، فلن تضروا الله شيئا ، وإنما ضرر ذلك يعود على الجاحد لنعمه ، والمنحرف عن طريقه ، فإن الله - تعالى - لغنى عن شكركم وشكرهم ، مستحق للحمد من جميع المخلوقين طوعا وكرها .
ويبدو من سياق الآية الكريمة أن موسى - عليه السلام - إنما قال لقومه ذلك ، بعد أن شاهد منهم علامات الإِصرار على الكفر والفساد ، وترجح لديه أنهم قوم لا ينفعهم الترغيب ولا لتعريض بالترهيب ، ولمس منهم أنهم يمنون عليه أو على الله - تعالى - بطاعاتهم فأراد بهذا القول أن يزجرهم عن الإِدلال بإيمانهم ، والمن بطاعتهم .
فالغرض الذى سبقت له الآية إنما هو بيان أن منفعة الطاعة والشكر والإِيمان إنما تعود على الطائعين الشاكرين المؤمنين ، وأن مضرة الجحود والكفران إنما تعود على الجاحدين الكافرين . أما الله - تعالى - فلن تنفعه طاعة المطيع ، ولن تضره معصية العاصى .
ففى الحديث القدسى الذى رواه الإِمام مسلم فى صحيحه عن أبى ذر الغفارى ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال : " يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا .
يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا .
يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد زخرت بالتوجيهات القرآنية الحكيمة ، التى ساقها الله - تعالى - على لسان موسى - عليه السلام - وهو يعظ قومه ، ويذكرهم بأيام الله ، وبسننه فى خلقه ، وبغناه عنهم . . .
وقوله : { وقال موسى } الآية ، في هذه الآية تحقير للمخاطبين - بشرط كفرهم - وتوبيخ ، وذلك بين من الصفتين اللتين وصف بهما نفسه تعالى في آخر الآية ، وقوله : { لغني } يتضمن تحقيرهم وعظمته ، إذ له الكمال التام على الإطلاق ، وقوله : { حميد } يتضمن توبيخهم ، وذلك أنه صفة يستوجب المحامد كلها ، دائم كذلك في ذاته لم يزل ولا يزال ، فكفركم أنتم بإله هذه حاله غاية التخلف والخذلان ، وفي قوله أيضاً : { حميد } ما يتضمن أنه ذو آلاء عليكم أيها الكافرون به كان يستوجب بها حمدكم ، فكفركم به مع ذلك أذهب في الضلال ، وهذا توبيخ بين .
أعيد فعل القول في عطف بعض كلام موسى عليه السلام على بعض لِئَلا يتوهّم أن هذا مما تأذّن به الرب وإنما هو تنبيه على كلام الله . وفي إعادة فِعل القول اهتمام بهذه الجملة وتنويه بها حتى تبرز مستقلة وحتى يصغي إليها السامعون للقرآن .
ووجه الاهتمام بها أن أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم ، وأن أنبياءهم حين يلحّون عليهم بالإيمان إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم والحرصَ على مصحلتهم . فلمّا وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتقام المثيب بما أثاب عليه ، ولتضرّره مما عاقب عليه ، فنبّههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم فيكسبهم إدْلاَلاً بالإيمان والشكر والإقلاع عن الكفر .
و { أنتم } فصل بين المعطوف والمعطوف عليه إذ كان هذا المعطوف عليه ضميراً متّصلاً .
و { جميعاً } تأكيد لمن في الأرض للتنصيص على العموم . وتقدم نظيره ونصبه غيرَ بعيد .
والغنيّ : الذي لا حاجة له في شيء ، فدخل في عموم غناه أنه غني عن الذين يكفرون به .
والحميد : المحمود . والمعنى : أنه محمود من غيركم مستغن عن حمدكم ؛ على أنهم لو كفروا به لكانوا حامدين بلسان حالهم كرهاً ، فإنّ كل نعمة تنالهم فيحمدونها فإنما يحمدون الله تعالى ، كقوله تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } [ سورة الرعد : 15 ] . وهذه الآية تضمنت ما في الفقرات ( 30 إلى 33 ) من الإصحاح ( 32 ) من سفر الخروج } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.