ولم يذكر - سبحانه - المحلوف به لظهوره أى : يحلفون بالله لترضوا عنهم ، ولتصفحوا عن سيئاتهم . .
وقوله : { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين } بيان لحكم الله - تعالى - فيهم ، حتى يكون المؤمنون على حذر منهم .
أى : إن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد يحلفون بالله لكم بأنهم ما تخلفوا إلا لعذر ، لكى تصفحوا عنهم ، أيها المؤمنون ، فإن صفحتم عنهم على سبيل الفرض فإن الله - تعالى - لا يصفح ولا يرضى عن القوم الذين فسقوا عن أمره ، وخرجوا عن طاعته .
وقال الآلوسى ، " والمراد من الآية الكريمة ، نهى المخاطبين عن الرضا عنهم ، وعن الاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وأكده ، فإن الرضا عمن لا يرضى عنه الله - تعالى - مما لا يكاد يصدر عن المؤمنين ، والآية نزلت على ما روى عن ابن عباس في جد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وأصحابها من المنافقين ، وكانا ثمانين رجلا ، أمر النبى صلى الله عليه وسلم - المؤمنين لما رجعوا إلى المدينة ؛ ألا يجالسوهم ولا يكلموهم فامتثلوا .
وقال - سبحانه - { فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين } ولم يقل فإن الله لا يرضى عنهم ، لتسجيل الفسق عليهم ، وللإِيذان بشمول هذا الحكم لكل من كان مثلهم في الفسوق وفى الخروج عن طاعة الله ، تعالى .
وجواب الشرط في قوله : { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } محذوف ، والتقدير : فإن ترضوا عنهم على سبيل الفرض ، فإن رضاكم عنهم لن ينفعهم ، لأن الله تعالى . لا يرضى عن القوم الذين خرجوا عن طاعته .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد جانباً آخر من الأحوال القبيحة للمنافقين ، وردت على معاذيرهم الكاذبة ، وأيمانهم الفاجرة بما يفضحهم ويخزيهم ، وتوعدتهم بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة .
{ يحلفون لكم لترضوا عنهم } بحلفهم فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم . { فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه ، وإن أمكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله فلا يهتك سترهم ولا ينزل الهوان بهم ، والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم بعد الأمر بالإعراض وعدم الالتفات نحوهم .
وقوله { يحلفون لكم لترضوا عنهم } ، هذه الآية والتي قبلها مخاطبة للمؤمنين مع الرسول ، والمعنى يحلفون لكم مبطلين ومقصدهم أن ترضوا لا أنهم يفعلون ذلك لوجه الله ولا للبر ، ولقوله { فإن ترضوا } إلى آخر الآية ، شرط يتضمن النهي عن الرضى عنهم ، وحكم هذه الآية يستمر في كل مغموص عليه ببدعة ونحوها ، فإن المؤمن ينبغي أن يبغضه ولا يرضى عنه لسبب من أسباب الدنيا{[5840]} .
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم } [ التوبة : 95 ] لأنهم إذا حلفوا لأجل أن يعرض عنهم المسلمون فلا يلوموهم ، فإن ذلك يتضمن طلبهم رضى المسلمين .
وقد فرّع الله على ذلك أنه إن رضي المسلمون عنهم وأعرضوا عن لومهم فإن الله لا يرضى عن المنافقين . وهذا تحذير للمسلمين من الرضى عن المنافقين بطريق الكناية إذ قد علم المسلمون أن ما لا يُرضي الله لا يكون للمسلمين أن يرضوا به .
والقوم الفاسقون هم هؤلاء المنافقون . والعدول عن الإتيان بضمير ( هم ) إلى التعبير بصفتهم للدلالة على ذمهم وتعليل عدم الرضى عنهم ، فالكلام مشتمل على خبر وعلى دليله فأفاد مفاد كلامين لأنه ينحلّ إلى : فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عنهم لأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.